مقالات

ضياء الشكرجي

اعتذار إلى المسلمين إخوتي في الإنسانية

09/12/2022 07:14
أخاطب منكم المعتدلين والطيبين والعقلاء على وجه الخصوص. كثير منكم يعلم أني منذ ٢٠٠٧ لم أعد مسلما، وكثير منكم يعلم أني أنشر مقالات وكتبا في نقد الدين. وبلا شك منكم من يسوؤه ذلك، لأنه يعتبره إساءة إلى مشاعره ومقدساته. وهنا أحب أن أعتذر إليكم، إن كان هذا يعتبر كذلك لبعضكم أو ربما الكثير منكم، وترون أني أجرح مشاعركم بالمساس بمقدساتكم، لاسيما بنفي كون الدين من وحي الله، ووصولي إلى قناعة راسخة بأنه اجتهاد بشري، سواء من مؤسس الدين، أو فيما جعل منه بعد ذلك.
لا أكتب هذه الرسالة نادما على ما قمت به، ولا مقررا الإقلاع عنه، بل أحب أن أوضح لمن يحب أن يقرأ رسالتي هذه ما أرى توضيحه مهما.
قبل كل شيء، ولأني عرفت أيضا كسياسي، يجب أن أوضح موقفي بوجوب الفصل بين ما هو سياسي، وما هو فكري. فمثلا في السياسة كعلماني أرى وجوب الفصل الكلي ليس بين الدين والسياسة، بل بين كل عقيدة شخصية دينية أو غير دينية أو لادينية، مؤمنة أو ملحدة أو لاأدرية، هذا من جهة وبين السياسة من جهة أخرى.
لهذا فأنا علقت نشري لمقالات نقد الدين لأكثر من سنتين من نهاية ٢٠١٩ لغاية نهاية ٢٠٢١، عندما طرحت مشروع (التجمع العلماني العراقي). هذا المشروع متواصلة الجهود من أجله، لكن ليس من قبلي، بل من قبل مجموعة محترمة من العلمانيين الليبراليين المؤمنين بمبدأ دولة المواطنة، وشخصيا أمارس دور المستشار في جانب الفكر السياسي حصرا، تلبية لرغبة العاملين في هذه المشروع، وأبقى داعما له، من غير أن أتولى مسؤولية فيه.
لذا أنا في مناقشة الدين أزاول الفكر، بعيدا عن السياسة، ولو كنت ما أزال في صدارة مشروع سياسي، لواصلت تجميد هذا النشاط الفكري.
وفي فكري السياسي، رغم أني تخليت عن مباشرة الفعل السياسي بشكل مباشر، هو الدفاع عن حرية الدين وحرية المواطن المعتقد بالدين، وحرية مزاولته للالتزام الديني، وأدعو إلى ذلك، حتى لو افترضنا أن شعبا ما ذا أكثرية مسلمة، تركت الغالبية العظمى من مسلميه الإسلام، إلى مؤمنين لادينيين مثلي، أو ملحدين أو لاأدريين، ولو افترضنا أنه لم يبق من المؤمنين إلا ١٠ أو حتى ٥%، لأن الواجب ديمقراطيا تمتع الجميع بحرية الاعتقاد وحرية التعبير بلا شرط، ألا ما كان فيه اعتداء على حريات وحقوق الآخرين، وهذا يشمل حرية اللادين واللادينيين.
لماذا يا ترى أوجه هذه الرسالة إلى المسلمين الذين نعتُّهم بـ(إخوتي في الإنسانية)، وربما أكثر الذين سيقرأونها هم إخوتي في المواطنة، إذا كانوا عراقيين.
فوجئت منذ مساء يوم أمس الأربعاء السابع من ديسمبر ٢٠٢٢، باثنين من أقرب وأعز وأحب أصدقائي إلي، واللذين ألتقي وإياهما فكريا وسياسيا إلى ما يقترب من التطابق، إذ صارحاني برأيهما في رفض ما أمارسه في نقد الدين، واعتبراه إساءة إلى مشاعر المسلمين، مما لا ينبغي أن يصدر من مثلي، رغم أنهما لا يعترضان على ما أطرحه من حيث مضامينه. طال النقاش مع أحدهما، فلا هو أقنعني ولا أنا أقنعته.
ولذا لم أتخذ قرار التوقف عن ذلك، كما تمنى عليّ الصديقان العزيزان، وشاركهما آخرون، مع وجود آراء لمن يرى ضرورة مواصلتي لما أقوم به، إذ اعتبروه عملا تنويريا لا غنى عنه، أو من رأى ألا ضير في ذلك، ولو مع عدم اتفاقه معي، بما في ذلك القليل من المتدينين.
حجة القول أن فيما أنشره من مقالات وكتب في نقد الدين فيه إساءة لمشاعركم كمسلمين، كونه يمس مقدساتكم وثوابتكم. وأنا آخر من يسمح لنفسه أن يخدش مشاعر أحد، لكن للضرورات أحكام، كقرار الطبيب بتر ساق مريض إنقاذا لحياته. وبلا شك تشخيص الضرورات يتفاوت بيننا كبشر، كل منا يصيب بنسبة ويخطئ بنسبة. لماذا إذن هذا الإصرار أو ربما ما يعتبره البعض عنادا مني في مواصلة ذلك؟
يقول المعترضون، مهما تكن لغتك متجنبة للألفاظ المسيئة والخادشة للمشاعر، فمجرد التصريح أو التلميح بأن الدين ليس إلهيا، ففيه تكذيب لكتابهم ونبيهم، وهذه إساءة غير مسموح بها. هنا أحاول أن أقدم مبررات إصراري على مواصلة نشاطي الفكري في هذا الجانب. بعضكم يكون ربما مطلعا، ولو اطلاعا بحدود ما، على علم أصول الفقه. وفي تناول الحجج هناك حجة مهمة تسمى بحجة القطع، فإذا ما قطع إنسان ما بصحة شيء، يكون ذلك القطع حجة له تعذره، وحجة عليه تلزمه، فالحجة التي يسميها بعض علماء أصول الفقه بالحجة المعذرية تجيز لي حتى من الناحية الدينية أن أقوم بذلك. أما الحجة المنجزية كما يسمونها، فهي توجب علي ذلك.
ثم هناك من الفقهاء حتى من القائلين بوجوب التقليد، رغم ضعف أدلته، فحتى هؤلاء يقولون إنما التقليد في الفروع أي الأحكام، ولا تقليد في الأصول أي العقائد، من هنا أوصلني اجتهادي من خلال اتباعي لمنهج تأصيل مرجعية العقل، أوصلني إلى الإيمان بالله من جهة، وإلى إيماني بعدم صدور الأديان عنه من جهة أخرى. قرآن المسلمين يتضمن آية في غاية الروعة تقول مخاطبة المسلمين الذين تنعتهم بـ(الَّذينَ آمَنوا) أي آمنوا بالرسول بقول "ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى". والشنآن هو أقصى درجات العداوة التي لا تكون نفسيا وفكريا فقط، بل عداوة ذات فاعلية شديدة. فحتى هذا النوع من الآخرين، تقول الآية لا يجوز للمسلمين أن يكون ذلك مبررا لألّا يعدلوا معهم. والعدالة تعني فيما تعني حقوقا متساوية وفرصا متكافئة. ما علاقة هذا بموضوعنا الذي أطرحه هنا؟ حسب تمعني في القرآن المقدس عندكم، وجدت أنه يسيء إليّ وإلى أمثالي وإلى أكثر الناس الذين لا يؤمنون بالإسلام. لذا فمن حقي أن أقابل تلك الإساءة والأوصاف المهينة لنا، لا بالإساءة أستعيذ بالله، بل بالنقد العلمي والعقلي والموضوعي، ولو حسب تقديري، وإذا أخطأت فحسبي أني إنسان، ولست إلها ولا ملاكا ولا نبيا مرسلا.
إذا كانت الإشارة إلى عدم إلهية الدين، تنزيها لله مما لا يناسب جماله وجلاله وكماله وعدله ورحمته، يراها البعض أو ربما الكثيرون إساءة إلى مشاعر ومقدسات المسلمين، فهذا ما يصدر من كل غير المسلمين بلسان الحال، لا لسان المقال، وأنتم إخوتي في الإنسانية، على الأقل عقلاؤكم ومعتدلوكم يتعايشون بدون أي مشكلة مع المسيحي والإيزيدي والمندائي وغيرهم، رغم أنهم مثلي لا يؤمنون بأن محمدا رسول الله والقرآن كتاب الله والإسلام دين الله. قد تقولون إنهم لا ينتقدون الإسلام مثلي، فأقول لأنهم أقلية تريد أن تعيش بأمان وسلام. وربما تقولون هؤلاء ولدوا على دينهم، لكنك كنت مسلما ومتدينا لثلاثين سنة وداعية للإسلام، وإسلاميا لربع قرن، ولعشر سنوات شيخا معمما ووكيلا لأحد كبار المراجع. هنا أقول لماذا يدين القرآن أتباع الديانات الأخرى الذي يجدون آباءهم على ملة فيكونوا لهم تابعين، ويحثهم على إعادة النظر في دينهم، ويحرم على المولودين كمسلمين أن يعيدوا النظر، بل ويوجب عليهم ما استنكره على الآخرين في البقاء على اتباع آبائهم؟
أقول يعز علي أن أخدش مشاعر أحد، أو أتعرض لمقدساته، فأنا إنما أقوم بما تسمونه بالتكليف الشرعي، وأنا أقول عنا هو بالنسبة لي تكليف العقل والضمير، وما أرى فيه رضا لله، ونفعا للإنسانية.
لذا أقول في الختام للذين يتأذون من نقدي لدينهم، سامحوني، لكني مواصل طريقي هذا، آملا أن يشرح فريق منكم صدره له.
ضياء الشكرجي dia.al-shakarchi@gmx.info

مشاهدة الموقع بالنسخة العادية