هل يتعين رفع سعر صرف الدينار العراقي خاصة بعد تحسن أسعار النفط؟ أم هنالك أولويات أخرى؟
في عام 2020 وبفعل الإجراءات المتخذة للتصدي لوباء كورونا هبطت أسعار الخام فتراجعت الإيرادات العامة في ميزانية الدولة لأن حوالي 90% منها تعتمد على هذه العوائد. لم تعد الإيرادات العامة كافية لتغطية حتى مرتبات الموظفين خاصة في منتصف تلك السنة.
كانت الحكومة العراقية أما الخيار التالي: أما التوقف عن دفع المرتبات وعدم الوفاء بالالتزامات المالية الأخرى. وهذا يعادل الإفلاس (ينبغي استخدام هذا المصطلح بحذر عند تحليل مالية الدولة لأن نظرية الإفلاس تخص القانون المدني والقانون التجاري). أو تخفيض القيمة التعادلية للدينار مقابل الدولار والعملات الأخرى. عندئذ ترتفع إيرادات الدولة بالدنانير. ويستلم الموظفون مرتباتهم ولكن بقوة شرائية منخفضة.
ولما كان هبوط القوة الشرائية لبعض فئات المجتمع أفضل من الإفلاس اختارت الحكومة تخفيض القيمة التعادلية للدينار.
نلاحظ أن مجرد الاقتصار على ذلك الخيار دليل واضح على فشل السياسة الاقتصادية للبلد. لأن السياسات الحكيمة تفتح مجالات واسعة جداً للخيارات.
لكن الإيرادات النفطية ارتفعت في الآونة الأخيرة حتى بلغ سعر برنت هذا اليوم 94 دولاراً للبرميل. مقابل 52 دولاراً في اليوم الذي قررت فيه الحكومة تخفيض قيمة الدينار (19 كانون الأول 2020).
يفترض إذن أن تتخذ الحكومة قراراً جديداً برفع سعر صرف الدينار. ويفترض أيضاً أن يكون سعر الصرف الجديد أعلى من سعر الصرف قبل التخفيض. ألف دينار للدولار على سبيل المثال.
لكن المشكلة الأساسية في العراق لا ترتبط بسعر الصرف بقدر ما ترتبط بالسياسة المالية التي أدت إلى تدهور الوضع الاقتصادي. هذه السياسة هي التي قادت إلى ذلك الخيار الوحيد الذي أفضى إلى تخفيض قيمة الدينار.
مالية الدولة ليست فقط إيرادات بل نفقات أيضا. المشكلة الأساسية تتعلق بتضخم الجهاز الإداري دون جدوى. وبتزايد المصروفات العسكرية غير المنتجة. ووجود أجهزة عسكرية ذات بعد طائفي. ومؤسسات حملت الدولة خسائر فادحة كالأوقاف. وشكل الدولة الفيدرالي الفاشل. وإقليم كردستان الذي استنزف طاقات الدولة من عدة زوايا ليست فقط نفطية بل جمركية أيضا. والهيمنة الإيرانية على مقدرات البلد التجارية والمالية والنقدية. أضف إلى ذلك الفساد المالي المستشري.
تدهور سعر الصرف ليس سوى نتيجة لهذه السمات. وبالتالي لا يمكن القيام بأي إصلاح حقيقي دون التصدي لها. سيفشل الإصلاح حتى وإن وصل سعر البرميل إلى ضعف السعر الحالي.
من العبث والخطأ إذن البحث عن سعر صرف للدينار يتلاءم مع إيرادات الدولة. بل يتعين تطبيق سياسة مالية سليمة تهتم بالتصنيع والتنمية الزراعية والتقدم التكنولوجي. سياسة كفيلة بالتخلص من الريعية. عندئذ تزداد فرص العمل ويزول الفقر ويرتفع النمو وتتحسن مالية الدولة والداخلية والخارجية.