د. ميسون البياتي
ملكة الصحراء هي المس گرتورد بيل التي رسمت حدود العراق وشاركت في انتدابه وساهمت في صناعة ملكه فيصل الأول وهي راعية الثقافه العراقيه بقيامها بتأسيس أول مكتبة عامه عراقيه هي مكتبة السلام , وهي التي قامت بتأسيس المتحف العراقي , ثم ماتت في حال غامض , على الأرجح منتحره تلفها الأحزان من كل جانب
نعود اليها اليوم من خلال الفيلم الأمريكي ملكة الصحراء حيث قامت بتجسيد دورها النجمه الجميله نيكول كيدمان . الفيلم رومانسي حزين يساعدنا كمتقصين للحقائق من سبر أغوار نفسية المس گرتورد بيل لنتعرف على المرأه التي في داخلها , لا على الرحاله والمنقبه والمستكشفه والكاتبه والمصوره ولو أن جميع هذه الصفات ستتجمع في صاحبتها داخل بوتقة واحده
الفيلم درامي عن السيره الذاتيه للمس بيل تم عرضه عام 2015 من تأليف وإخراج فيرنر هيرزوگ ، وتستند قصته على متابعة حياة بيل بالترتيب الزمني ، منذ أوائل العشرينات من عمرها حتى وفاتها . كان هذا أول فيلم روائي طويل لهرتزوگ منذ 6 سنوات , السيناريو ضعيف الى حد ما لأنه ركز كثيراً على مقدمة الفيلم لكنه أهمل التركيز على منجزات المس بيل منتصف الفيلم , أما نهايته فكانت مفاجئه ومبتسره بشكل لا يصدق , وكل هذه العوامل تخل بتوازن الحبكه ولا تمنح الإقناع للمتفرج , لكننا نتابعه بسبب نجمته نيكول كيدمان وبسبب انه يتطرق الى موضوع المس بيل كإمرأه
https://www.youtube.com/watch?v=vwvymINJIAo
بعد مرور الفيلم بالعديد من التأخيرات ومشاكل الاختيار ، تم تصويره من ديسمبر 2013 إلى مارس 2014 في الجزائر والأردن وإنجلترا . تم عرضه في المسابقه الرئيسيه لمهرجان برلين السينمائي الدولي 65 في فبراير 2015 . كما كان له عرض آخر في ألمانيا في سبتمبر 2015 . تلقى الفيلم آراء سلبيه في الغالب من النقاد وكان خيبة أمل ماليه كبير ففي حين كلّف إنتاجه 36 مليون دولار لم تتجاوز أرباحه 2 مليون دولار
القصه التي غيّرت حياة المس بيل انها كانت فتاة تعيش في كنف اسرة ثرية جداً وكانت (لا منتميه) , بتعبير أكثر حداثه من حياتها , لمساعدتها قرر والدها إرسالها الى طهران عند عمها الذي عمل دبلوماسياً رفيعاً هناك , مع تغير البيئه والأجواء المألوفه , وجدت نفسها ذات يوم تقع في غرام هنري كادوگان موظف في السفاره البريطانيه في طهران . جمعتهما علاقه لطيفه أكثر إرتباط بالأرض والبيئه والآثار أكثر من إرتباطها بباقي الناس . يقرران الزواج لكن والدها يرفضه بشكل قاطع معتبراً مستوى المتقدم متواضعاً لا يليق بمستوى ابنته أو عائلته , بعد فتره تصل رساله من طهران تُعلم أن هنري كادوگان انتحر برمي نفسه من أعلى تل كانا هو ومس بيل يتسلقانه اثناء نزهاتهما , بسبب يأسه من رفض عائلة محبوبته له
الصدمه والحزن العميق دفعت المس بيل الى السفر الى الشرق الأوسط كرحاله , عاشت في الصحراء وتعرفت على زعماء القبائل والتقطت الصور وكتبت . أغلب المؤلفات التي كتبت عن حياتها تتحدث عن علاقتها مع لورانس , لكن الحقيقه انهما كانا زميلي دراسة وعمل وبينهما تقدير عميق , ولم تتطور الأمور بينهما الى علاقة عاطفيه , فهي إمرأه قويه عنيده لا يمكن أن تدخل في علاقة مع رجل مثلي الجنس يتغزل بالغلمان , تشهد على ذلك القصيده التي اهداها الى غلامه سليم أحمد بعد وفاة الغلام بالتايفوئيد والقصيده منشوره في كتاب لورانس : أعمدة الحكمه السبعه
الرجل الثاني في حياة المس بيل هو ريتشارد داوتي ويلي ، كان رجلاً متزوجاً ، لا أحد يعلم متى بدأت علاقتهما ولا كيف استمرت . كان هو ملحقاً عسكرياً بريطانيا منذ العام 1900 لدى الدوله العثمانيه . تبادل مع المس بيل رسائل الحب من عام 1913 حتى وفاته . عند وفاته كان بعمر 46 سنه
حين بدأت الحرب العالميه الأولى كانت بريطانيا موقنه أن الأمريكان قد أشعلوا هذه الحرب لتدمير الوفاق البريطاني الروسي 1907 القاضي بتطويق اوربا من الشرق والغرب لمنع تغلغل النفوذ الأمريكي فيها , لهذا سعت الى احتلال مضيق غاليبولي التركي لتتسلل منه الى البحر الاسود حيث الأراضي الروسيه . جهزت حملة من قوات نيوزيلنديه واستراليه واخذتهم في رحله شاقه عبر المحيط الهندي _ قناة السويس الى مكان المضيق الذي يسميه الأتراك ( جنق باير ) على الساحل كان بانتظارهم ضباط بريطانيون لتوجيههم وكان المقدم ريتشارد داوتي ويلي واحداً من هؤلاء الضباط , أطلق قناص على جبهته طلقه واحده فقتله في الحال يوم 26 ابريل 1915 منذ هذا اليوم وحتى وفاتها بقيت المس بيل تعاني من كآبة حاده , وهي محقه لأن تكرار المأساة مرتين يفتح الجروح القديمه والجديده
عندما عادت بيل لفترة وجيزة إلى بريطانيا في عام 1925 ، واجهت المشاكل العائليه واعتلال الصحه . بدأت ثروة عائلتها في الانخفاض بسبب بداية إضرابات ما بعد الحرب العالمية الأولى والكساد الاقتصادي في أوروبا . عادت إلى بغداد وسرعان ما تطور لديها إلتهاب ذات الجنب عندما استعادت صحتها قليلاً سمعت أن أخاها الأصغر مات بسبب التيفوئيد , وكانت هي مصابة بالكآبه منذ مقتل حبيبها الميجور تشارلز دووتي _ ويلي في الحرب
في 12 تموز 1926 تم اكتشاف جثتها ميته بسبب جرعة زائدة من الحبوب المنومه . هناك الكثير من الجدل حول وفاتها ، كانت الجرعة الزائدة انتحارية مقصودة أو عرضية لا أحد يدري , لأنها طلبت من خادمتها أن توقظها . تم دفنها في المقبره البريطانيه في منطقة الباب الشرقي ببغداد . وكانت جنازتها حدثاً كبيراً ، حضره زملاؤها والمسؤولون البريطانيون وملك العراق . وقيل أن الملك فيصل الأول تابع من شرفته الخاصة المسيرة التي تحمل نعشها إلى المقبرة
هل ماتت منتحره ؟ هناك اعتقاد كبير بذلك غير أن أخبار انكلترا تنفي ذلك بشده , فهم لا يودون التصريح بأن المرأه القويه التي اعتمدوا عليها بسياستهم في الشرق الأوسط قد ضعفت ذات يوم
د. ميسون البياتي