مقالات

قاسم محمد الكفائي

(حرامية بغداد) رحلة من القرمه سبزي الى المليار

23/08/2022 08:31
المقدمة أعتذر سلفا لزميلي القارىء بورود بعض العبارات (الفلسفية المتميزة) في مقالنا هذا، لأن (الحرامية) تليق بهم مثل هذه المفردات، ويستحقونها، فخجلهم من الله وعباده معدوما، إلا أنهم سيغادرون العراق عاجلا وهو مُحَطَّما، وثرواته منهوبة، وجعلوا بسبب فسادهم وفشلهم من المواطن العراقي رمادا، مهدَّدا بزوال نعمة العافية وتراجع بالأخلاق. فلا ضير بالتهكم عليهم وأنعتهم بالحمير، وحرامية بغداد. فوالله لولا الله واحترامي لمبادىء هذا الموقع الموقر لوضعتهم على طاولة المشرحة (على كيف كيفك). إنتهت. أحوالٌ تتغير في هذا العالم لا يعلمها إلا الله سبحانه، مثلا نسمع عن طفل من عائلة نهشها الفقر، غبيًّ بين أقرانه في مدرسته، لا يستوعب ما يقوله المعلم، والطلابُ الجالسون معه في الدرس يجيبون على أسئلة معلمهم متفوقين. ثم تمضي السنون وتتبدَّل الأحوال نجد هذا الطفل قد كبُرَ وتفوَّق على زملائه الطلاب بفارق لا يكادون أن يبلغوه ولو بعد مئة عام. الفارق إما صار عالما دينيا مرموقا اجتمعت حوله الأمة طوعا، أو عالما في الكيمياء والفيزياء بحيث يكون دليلا علميا موجِّها لجميع مؤسّسات الدولة العلمية، مُعتَمَدا عليه، أو هو تاجرا يموِّل السوق ببعض المستلزمات الضرورية التي تحتاجها مؤسسات الدولة وما يحتاجه المواطن. مثلا بدأ بجمع ثروته حين باع حصانا له واشترى بثمنه حصانين، بمضي الوقت صار تاجرا كبيرا ببيع الخيول، ثم تغيرت أحوالُه فصار تاجرا في مهنة أخرى. إنه عمل الأشراف والصادقين الذين أحبهم اللهُ ورسولهُ والمؤمنون. أمام هذه الصورة الرائعة وغيرها من القصص النظيفة هناك صور (مُقرفة ) يخجل منها الحاضر والتاريخ معا، نعيشها نحن العراقيين كواقع مُذِلٍّ أضاعَ فيه مُقدرات الشعب نكرةٌ، محرومٌ، نهشهُ العَوز حتى ملَّ منه الحرمان ولفظته (القرمة سبزي). هذه الصورة جسدّتها زمرةٌ من خونة الوطن والدين والمذهب سكنوا مدنا متفرقة من العراق، تسللوا اليها من الخارج عائدين من تحت (الكاله) الإيرانية الى الوطن بعد إن أسقط جورج بوش الإبن الأمريكي نظام صدام حسين، ثم حطّمَ صنمَه وسحله وسط بغداد بقوة الطيران والعسكر. كان هؤلاء الحُثالى خارج منظومة العمل والسيطرة، لا مُخططين ولا مُنفيذين، بلا حول لهم ولا قوّة، ولا هم تجار أحصنة أو علماء فيزياء وكيمياء. لكنهم صاروا رقما حين أحسَّت الدوائر الدولية بقوتهم المتنامية في مجتمع متواضع بثقافته ووعيه، تطغى عليه العاطفةُ الدينية. حينها فكّرت هذه الدوائر بخطة ناعمة، صحيحة تكون نتائجها تدميرهم من الداخل، فقرر (بريمر) دفعهم باتجاه تشكيل الحكومة وتسليمهم مؤسسات الدولة. ثم كتبوا الدستور العراقي بأغلاط جهلهم فصاروا من خلاله صنّاع القرار وهم فرحون بما آتاهم الأمريكي من نعمة السلطة في ظروف تفشّى فيها الإرهاب وفوضى السلاح والمال والمشاريع (الفاشوشي) التي تأسَّست للنهب والفرهود كما أرادها لهم بريمر كمصيدة أوقع فيها هؤلاء الحثالى بناء على دراسة مُسبقة متكاملة موضوعة في الأدراج تختص بمستوى عقولهم، ووضعهم النفسي، وبأحوالهم الرديئة أيامَ المعارضة. لقد نجحت مخططاتُ بريمر الحاكم الأمريكي الفعلي للعراق، وأخذت تتفاعل وتنشط بجهل وغباء الحثالى حين سقطوا بالشباك وانشغلوا بالفرهود ونيل المكاسب، ونسوا المسؤولية الوطنية العظمى التي تحملوها بحماية مصالح الشعب والوطن (هكذا عهدناهم، ولكن القرمة سبزي بحسب الظاهر تصنع الحمير). لم يكن بريمر سهلا في تفكيره وتخطيطه وقيادته عندما يرعى ويقود قطعانا جهلة كمثل أولائك الذين سلمهم مقاليدَ السلطة والدولة. فذكائه متقدم على مستوى عقولهم، وفي قوة شخصيته ودهائه وتفكيره إذا ما استثنينا بعضَ المعارضين الذين توافدوا من أمريكا وأوروبا وقد عُرفوا إما باختصاصاتهم وثقافتهم السياسية، ووطنيتهم ومهنيتهم، وبالقدرة على قيادة البلاد أمثال الشهيد (أحمد الجلبي) ومعه نفرٌ يسير آخر. فكيف لا يكونوا (أولائك الحُثالى) سهلين بين يَدَي سيدهم، متوسلين برضاه، وقد جعلهم بذكائه يمتلكون الشعور والقناعة أنهم أذكياء وسيصنعون إمبراطوريات من المال المسروق، فكانت فوضى السلاح والإرهاب المَوضوعة عاملا مساعدا ومُهما في تحقيق مآرب الفريقين، حرامية بغداد وبريمر، وكلٌ له مقاصدَه وتوجهاتِه بين ذكاءٍ وغباءٍ مُفرطَين. لقد تبنت حكومات ما بعد 2003 مشاريع بناء وإعمار تجعل من العراق واحةً جميلة تزدهر بها جميعُ الأطياف، ولن يبقى مواطنا بلا سكن وراتب شهري يكفيه للعيش، وتوعدت بتوفير الخدمات الضرورية للمواطن بما فيها الكهرباء التي قال عنها حسين الشهرستاني سيصدّر الفائض منها الى الخارج، فتبين أنه ورئيسَ وزراءه يصدران الأموال خارج البلاد خلاف ما يدَّعون. أما وزير التجارة السابق فلاح السوداني فهو الآخر تجاوز على المال العام بشكل سافر وتقاسم المغانم مع سيده الرئيس. هذا مثال لغيض من فيض، أو قطرةٍ من بحر. كلُ حكوماتِ بلاد العالم تَظهر على برامج عملها في مؤسسات الدولة علامات النجاح أو الفشل، ويظهران  كذلك على شخصية وسلوك كبار مسؤولي الدولة الذين عليهم تقع مسؤولية إدارة المَهام الكبرى. منذ زمن ليست بقريب لاحظتُ بمتابعاتي لظروف بلدي علاماتِ الفشل والإنحدار بالبلاد الى الهاوية تدلُّ على الإنحطاط الأخلاقي الى جانب الفساد ونهب المال العام بغير حساب، واحدة من هذه الظواهر: أن جميع مسؤولي الدولة العراقية ما بعد عام 2003 حاصلين على شهادة الدكتوراه، وأفقرهم علما هو الحاصل على الماجستير. من الطرافة أن أحد هؤلاء (الدمج- خ -) يسكن مدينة لندن الكندية ( الآن تبعد هذه المدينة عن بيتي الساعة والنصف بالسيارة) ، كان في زمن (القرمه سبزي) يقرأ التعازي في حسينيات مدينة وندزور الملاصقة الى مدينة ديترويت الأمريكية ومعه دائما مكبر الصوت (سماعة تُحمَل باليد عند الخطابة) مقابل المال الذي يتكرم به عليه الحاضرون (إرتقى فيما بعد الى أعلى المناصب في الدولة وما زال فيها). ذات مرة سأله صديقه (ع) يسكن الآن بعيدا عن داري حوالي عشرة دقائق بالسيارة، من أين حصلت على شهادة الدكتوراه؟ أجاب الدمج .. من الهند. ثم سأله وما الإختصاص ؟ ردَّ عليه، بالفقه. لكن بن الناصرية لم يشفع له بلهجته العذبة حين سأله مازحا.. شنو تقصد الفقه السيخي؟ نسبة لطائفة السيخ التي تقطن في الهند ( أنا شخصيا عشتُ في شبه القارة الهندية تقريبا ستة سنوات أعلم أن ثمن الحصول على هذه الشهادة لا يكلف الخمسمائة دولار أمريكي). شاطَ – خ – غضبا وصار ثقيل المزاج على صاحبه. أما الثانية فهي ظاهرة الكذب والنفاق عندما نجد هؤلاء المسؤولين يتوافدون على بيت الله الحرام بمكة المكرمة في موسم الحج زرافات (أغلبهم لا يصلون وخماره) لينفقوا في هذا الموسم أموالا كثيرة مسروقة ببذخ ويحرموا مواطنيهم الفقراء المخلصين لله من الحصول على سمة الدخول الى الديار المقدسة لأداء الفريضة بينما البلاد مُعطلة، والناس لا تعرف أين هو إتجاه البوصلة، مع هبوط بالثقافة والأخلاق، وصعود حالات الإنتحار بسبب التفقير المُتعمَّد. ومن علامات الإنحطاط والفرهود إدعى أغلبُهم أنهم من أهل الثراء أبا عن جد ومن أصحاب المصانع ومالكي الأراضي الواسعة (إقطاع)، وأنهم في غنى عن مال الدولة وعن راتبها الشهري (القرمه سبزي تتكلم)، فهم يصنعون الحجة على أنفسهم (حرامية وأغبياء). فالوضعُ العراقي الراهن صعبٌ لا يَحتمل الحلول إلا بالتغيير الجذري بدفع هؤلاء الحثالى نحو حاوية مزبلة التاريخ بعد القبض عليهم جميعا ومحاكمتهم عن كل جرائمهم، ولربما يُسحلون بالحبال في شوارع مدنهم دون رحمة، ولا يجدون من ينصرهم حين يشتد عليهم غضبُ الشعب. تعتقد قطعان الحرامية أن الزمن ثابت لن يتغير، وأنهم باقون والأموال التي سرقوها وأخفوها داخل العراق توزعت على المدن والقرى بين الأقرباء والأصهار، والأصدقاء، وفي دول أمريكا الشمالية وبعض دول أوروبا وأفريقيا والشرق الأوسط، بما فيهم إيران التي هي المستحوذ الرئيسي على المليارات. آخر القصص التي جرت عليهم وجعلتهم يفكرون بعمق بحقيقة نهايتهم وجدية التحضير لمغادرة العراق هم وعوائلهم وأموالهم التي معهم والتي سيحصلون عليها في هذه الفترة الوجيزة هي التسريبات الوثائقية التي سرّبها الإعلامي الرائع والمواطن المخلص علي فاضل فهي بمثابة القشه التي (كسرت ظهر الزمال). إذن، من أولويات العمل الوطني يتعين على المخلصين متابعة ظروف اللصوص لجمع المعلومات الدقيقة عن الأماكن التي خبَّأ فيها الحثالى المالَ المسروق، والتعرف على جميع أصدقائهم، وأقاربهم، والمُقرَّبين، والعمل أيضا على إيجاد الوسيلة الصحيحة للقبض عليهم ساعة الحسم إعتبارا من حدود الفاو الى آخر قرية في زاخو دون استثناء، مع أن الحدث الأكبر سيقع على رؤوس شيعتنا (والحمد لله). إنَّ واحدةً من أوهام هؤلاء فيما لو تعذَّرَ بقائهم في العراق بمقتضى الأوامر القضائية سيتوجّه الكثير منهم الى إيران ليلحقوا بجزء من أموالِهم المودَعة هناك، أو المخبئة أكواما في بيوت خاصة وعند مرجع ديني يثقون به. ثم يعودون هناك الى عادتهم القديمة كمعارضين، بثوب إيمانهم القديم، فقراءَ لله، يستأجرون البيوت المتواضعة في ( كزرخان) على مقربة من المرقد الشريف، وإذا جاء وقت الغروب نجدهم متجمهرين في صحن السيدة معصومة بنت الإمام موسى الكاظم عليهم السلام ليؤدوا صلاة المغرب جماعة. ومنهم مَن يعتقد أنه ينجو بجلده بالإقامة في حي السيدة زينب عليها السلام في سورية، أو تحميه بيروت بأمواله التي ابتلعتها حرامية المصارف اللبنانية، أو أن هناك دولة تصونه هو والمسروقات المودَعة في مصارف أوروبا وفي كندا وأمريكا. هذا التفسير هو قمة الغباء المُفرِط ودليلٌ على عجز عقولُهم التي مازالت غافلة عن حقيقة ما يجري عليهم، وهم يتحركون داخل الشِباك المنصوبة للنيل منهم. فمصيرُهم المحتوم لن يطول انتظارُه، والأموال العراقية المسروقة، المخزّنة في إيران وسورية ولبنان ستبتلعها التماسيح لأن المُدعي بالحرام لا يستطيع إقامة شكوى بعنوان المالك الشرعي. أما المال الآخر المسروق فسيعود عن طريق المؤسسات القانونية الدولية. تَتردَّد الإشاعات أو هي حقيقة أن هناك مرجعا دينيا مُقلَّدا في قم المقدسة قد أفتى لجماعة (القرمه سبزي) بجواز سرقة المال العراقي تحت الحجة الشرعية التي تنص على أنها (أموال مجهولة المالك). كيف يعني مجهولة المالك، وهل أن مصالح الشعب العراقي مجهولة أيضا؟ ألم تأتي هذه الأموال من ثروات العراق، ومن كدِّ يدِ العامل العراقي، وهل عرف هذا المرجع الكبير أن سرقة هذه الأموال المجهولة المالك قد أدّت الى تفقير الشعب العراقي فانتشر الفساد، وتراجع الدين في النفوس والأفكار، وتدهورت الحالة المجتمعية، وعمّت فوضى القتل والتسليب، والخراب في كل مفصل، ثم تدهورت الثقافة والصحة العامة لدى الناس، وتراجعت الخدمات أضعافا الى ما دون الصفر، وصارت حالاتُ الإنتحار تجري بشكل يومي ؟ كذلك نريد أن نعرف مَن المخوَّل بسرقة المليارات وأين ستُصرَف هذه الأموال، فلو كانت أموال العراق مجهولة المالك فما هو الفرق بينها وبين أموال إيران، ولماذا لا يبحث هذا المرجع عن صاحبها الشرعي كي تعود إليه؟ لا أظن أن هذا المرجع هو ديني، ولا أظن أنه يمشي على الأرض، إنما هو وهمٌ، ولو صار حقيقة (أستبعدها غير مُصَدِّقٍ). فمن المرجّح أنه تأثر بتوجيهات مؤسسة الإطلاعات الإيرانية، وأنه بن حيض وليس طاهر الولادة، أي صار مرجعا خارج شروط المرجعية. في ثقافتي أنا المواطن العراقي وجدتُ أن ازدهار وطني ومستقبله، وشعبي وراحته أهم من مسميات وتفاهات المراجع (الدمج). وبقناعتي التي تربيتُ عليها أن النجف الأشرف هو عاصمة جميع المسلمين الشيعة في هذا العالم الواسع، وحوزته أولى الحوزات، أغزرها علما ومرتبة ومنزلة بكرامة مرقد الإمام علي بن أبي طالب وبفضل موروثه العلمي، وبكرامة الإمام الحسين وأخيه العباس عليهم سلامُ الله. هذه الحوزة التي تخرجت منها مراجعُ الأمة جميعا لأنها ومازالت وستبقى إمتدادا لمدرسة الإمام جعفر الصادق عليه السلام.  في الحلقة الثانية القادمة من حلقات ( الغباء الأمني والسياسي الإيراني في العراق) سنتحدث بإيجاز عن دور إيران (الإطلاعات) في تدمير بلدنا وثقافتنا وثرواتنا بدوافع مغلوطة، فاشلة جلبت عليها العار الى يوم الدين
قاسم محمد الكفائي/ كندا twitter…@QasimM1958

مشاهدة الموقع بالنسخة العادية