أ. د. حسن خليل حسن
لا رأي لمن انفرد برأيه.
(ابن المقفع)
الخليج الفارسي/العربي هو ذراع مائي بحري للمحيط الهندي وبحر العرب، يتوسط الخليج بين ثمان دول هي: من الشرق والشمال الشرقي إيران ومن الشمال والشمال الغربي العراق ومن الغرب تطل عليه بلدان شبه الجزيرة العربية وهي: الكويت والسعودية وقطر والإمارات والبحرين وعُمان(رأس مسندم)، كانت ايران قديماً تُعرف باسم (بلاد فارس) ومن هنا تم اشتقاق اسم الخليج الفارسي Persian Gulf، الذي تعتبره ايران الاسم "التقليدي" الوحيد وترفض تسميات اخرى بلغات عالمية مختلفة مثل "خليج إيران" ، "خليج أجام" ، "خليج البصرة" ، "الخليج العربي" "خليج البحرين" "الخليج الفارسي العربي" ، "خليج فارس" ، و"بحر فارس". بينما يحاول معظم الدول العربية تغيير التسمية الشائعة عالمياً الى تسمية الخليج العربي، الذي تعتبره عربياً منذ 3 الاف سنة قبل الميلاد وان الوجود الفارسي يرجع تاريخه إلى الإمبراطورية الصفوية (1501-1736 م).
وقد تعددت اسماء الخليج عبر التاريخ لتعدد الثقافات التي وطأت المنطقة سواء الاقوام الساكنة والرحالة او الغزاة الذين وصلوا هذه المنطقة منذ فجر التاريخ، وقد سادت تسمية (الخليج الفارسي) واصبحت اكثر انتشارا وشيوعا بعد تضمينها في الوثائق الرسمية في اغلب دول العالم خلال العصر الحديث بينما يقتصر وجود اسم (الخليج العربي) على المدونات العربية، مع الاشارة الى ان اللفظة العربية بدأت تطلق خلال الآونة الاخيرة في امريكا وفرنسا لدوافع سياسية، وربما برزت التسمية الفارسية في اسم الخليج لسببين: الاول توثيق الرحالة والمؤرخين للاسم على احد ساحلي الخليج، والثاني انتشار خرائط بلاد فارس القديمة بسبب اسبقية التفاعل العلمي لبلاد فارس مع اليونان والرومان الذين اهتموا بدراسة المنطقة وسجلوا تاريخها في مؤلفات وخرائط وثِّقت وانتشر ت عالمياً فيما بعد، وهنا نشير الى ان الحيوية المعرفية والتواصل الفكري مع العالم هو ما يعطي لأي مواقع قيمة معنوية واهتمام عالمي، وتحاول هذه المقالة اثارة موضوع تسميات الخليج وتداعياتها بسياق مرن ورؤية منفتحة بعيدة عن عاطفة الانحياز لما هو مناطقي او قومي لأن غايتنا الوصول الى الحقيقة ووضع التوصيات المناسبة.
الخليج قلب الارض:
يمتد الخليج بشكل طولي من الساحل العراقي ومصب شط العرب شمالاً الى مضيق هرمز الذي يربط الخليج بخليج عمان وبحر العرب والمحيط الهندي جنوباً ، بطول 965 كيلومتر، ومساحة مائية اجمالية تقدّر ب 100 233كيلومتر مربع, بلغ طول الخليج طوله 1000 كيلومتر، تمتلك إيران أطول السواحل بينما لدى العراق أقصرها، ويختلف عرضه بين الحد الأقصى 336 كم و 55 كم كحد أدنى عند مضيق هرمز، بمتوسط عمق 35 م في الساحل العربي و80 مترًا على طول الساحل الايراني، اما المناطق الساحلية للدول العربية فهي ضحلة وتتراوح بين 5 إلى 15 م واقل من ذلك على طول الساحل العراقي، مع وجود أعماق اقصاها 100 متر في مضيق هرمز ، ويشير بعض المؤرخين ان مياه الخليج كانت في العصور القديمة أعمق بكثير من الاعماق الحالية، بسبب انحسار المياه التدريجي عن الساحل الشمالي واتساع الاراضي مع استمرار تدفق الرسوبيات من شط العرب والكارون، ولان معظم تلك الاراضي خصبة جعلت المنطقة جاذبة للاستيطان.
يتوهم البعض ان منطقة الخليج اكتسبت اهميتها حديثاً بعد اكتشاف النفط وامتلاكها ثلث الانتاج النفطي في العالم وأكثر من نصف الاحتياطيات النفطية العالمي ، فضلاً عن ضخامة احتياطي الغاز الطبيعي الذي تعتمد عليه مناطق واسعة في آسيا وأوروبا الغربية والولايات المتحدة. والحقيقة ان الاهمية الحضارية والتاريخية والاقتصادية لمنطقة الخليج تعود الى اكثر من 5500 سنة مضت، فقد ذكرت وثائق السومريين التاريخية ان سكان وادي الرافدين بدأوا بالتجارة البحرية عبر الخليج والمحيط الهندي وبحر العرب منذ عصور قديمة للحصول على المعادن والخشب والحجارة من الجنوب الشرقي لشبه الجزيرة العربية (عُمان= هومان= اومان) وبلاد السند، وكان ابناء الرافدين وأهل دلمون والعيلاميين يتاجرون مع الهند بالأعشاب والتوابل واللبان والأقمشة والجواهر والأحجار الكريمة والسيراميك والساج والأرز والمعادن كالنحاس في القرن الثالث قبل الميلادي بالإضافة الى اللؤلؤ الذي كان الخليج مصدره الاساس.
ومن الشيّق ان نذكر ان سكان الخليج القدامى قاموا منذ عام 3500ق.م. بشق طريق يمتد من شمال الخليج لربطه بالبحر المتوسط بعد ان سيطروا على التجارة ما بين الرافدين والهند بحلول القرن الأول الميلادي ظهرت إشارات ودلائل إلى وجود تجار فرس وعرب وهنود يقطنون مصر وأوروبا.
اقدم مسميات الخليج:
بحسب الدراسات الاثارية والانثربولوجية فأن أقدم اسم معروف للخليج هو اسم "بحر أرض الإله» واستمرت هذه التسمية لغاية الألف الثالث قبل الميلاد. ثم أصبح اسمه "بحر الشروق الكبير" حتى الألف الثاني قبل الميلاد، بينما وسمي «بحر بلاد الكلدان» في الألف الأول قبل الميلاد، تغيّر الاسم خلال النصف الثاني من الألف الأول قبل الميلاد الى «بحر الجنوب»، بينما سماه الآشوريون والبابليون والأكديون: «البحر الجنوبي» أو «البحر السفلي»، ويقابله البحر العلوي وهو البحر الأبيض المتوسط، كما أُطلق عليه اسم «نارمرتو» (أي البحر المر) من قِبل الآشوريين، كما ذكرت بعض المصادر ان الاغريق واليونان اطلقوا عليه لفترة خلال تجولهم في حملة الاسكندر الاكبر اسم (البحر الايرثيري) ومعناها البحر الاحمر .
اول من اطلق تسمية بحر فارس الاسكندر المقدوني (الاسكندر الأكبر) في حملته على بلاد فارس عام 334 قبل الميلاد ، ويذهب البعض الى اقدم من ذلك بقرنين من الزمن ويرجع التسمية الى حقبة الملك الفارسي داريوش الأول في القرن الخامس قبل الميلاد. جرياً على الاستخدام التقليدي للجغرافيين اليونانيين القدماء سترابو( (Strabo في القرن الاول قبل الميلاد، وخرائط بطليموس (Ptolemy) في القرن الاول قبل الميلاد، ومنذ ذلك الحين كان استخدام مصطلح (خليج العرب ) للإشارة إلى ما يعرف الآن باسم البحر الأحمر واستمر ذلك حتى نهاية القرن التاسع عشر، وهذا ما وثقته الخرائط الأوروبية .
نِزاع التسميات
يرجع تعدد تسميات الخليج الى توسط الخليج بين ثقافات مختلفة، فقد اعتاد الرحالة والمؤرخين على تسمية البحر باسم البلد المجاور له فيسمون بحر الهند وبحر الصين وخليج البنغال كذلك يطلقون على البحر الاحمر تسمية بحر الحبش او البحر التهامي او بحر اليمن او خليج العرب او البحر الشامي، كما اعتادوا على استخدام اكثر من اسم لنفس البحر مثل بحر الروم وبحر الشام وبحر الأندلس رغم أنه بحر واحد وهو البحر المتوسط، ونعتقد ان تسمية الخليج، تأثرت كثيراً باختلاف درجة الاستقرار السياسي على جانبيه، فعلى عكس من تاريخ الجانب العربي للخليج الذي توالت على حكمه دول واقوام متعددة، كان الجانب الإيراني اكثر استقرارا و ثباتاً سياسياً، لذا اشتهر الخليج عالمياً بالخليج الفارسي على اسم الإمبراطورية الفارسية (إيران الحالية).
بدأ نزاع التسميات منذ منتصف القرن الماضي حيث أثار التنافس بين جزيرة العرب وايران، إلى جانب نمو المد القومي العربي وتغلغل المصالح السياسية والاقتصادية الغربية في المنطقة، لذا مصطلح "الخليج العربي" استخدامًا متزايدًا، وخلال الثمانينات تعمّق الجدل السياسي حول تسمية الخليج الفاصل، ولا شك ان صراع التسميات للدول المتشاطئة على جانبي الخليج تعدى كونه مسألة اعتزاز قومي ليصبح نقطة خلاف حادة تهدد استقرار المنطقة، لدرجة اعتبار اطلاق احدى التسميتين (الخليج الفارسي ) او ( الخليج العربي) اشبه بالإساءة للفرس او العرب و اعتداء اعلامياً على الحقوق، واستمر اعتزاز الايرانيين بهذا المصطلح الذي يعدونه جزءاً لا ينفصل عن التاريخ والهوية الإيرانية حتى بعد تغيير تسمية "بلاد فارس" الى جمهورية "إيران" من قبل شاه إيران رضا شاه بهلوي في العام 1935، وهذا يعكس طبيعة العقل الجمعي الايراني والعربي وتجذر الخلاف السياسي الذي تستثمره بعض الانظمة السياسية على اسس ايدلوجية، ولا يلوح في الافقين الايراني والعربي ما يشير الى امكانية انهاء هذا الجدل لان الصراع الحاصل على التسميات يرجع الى محاولة القوميتين على جانبي الخليج لتحقيق انتصار للسيادة والنفوذ البحري عن طريق انتساب هذا الجزء المائي المحدود الى احد الجانبين، وتصاعدت حدة المواقف مؤخراً لتزايد اهمية موقع الخليج اقتصادياً وجيوسياسياً في قلب العالم .
وثائق ومواقف الدول الكبرى
برأينا ان استخدام تسميات الخليج كانت ذات دلالة مكانية، ثم انتقلت مؤخراً الى اشارات قومية تصعيدية عكّرت صفو العلاقة على جانبيه، فاستخدام لفظة الخليج الفارسي شاعت لدى معظم الحضارات الاوربية القديمة وفي معظم الخرائط التي تضمنتها المعاهدات الدولية الحديثة والوثائق المطبوعة قبل عام 1960، باستثناء بعض التسميات التي اطلقتها الدول المحتلة نذكر منا اسم "بحر بريطانيا" .!! وهو ما اشارت اليه صحيفة The Times Journal التي نُشرت في لندن عام 1840 م، كما اطلق العثمانيون على الخليج اسم "خليج البصرة" (بصرة كورتري) .
وخلال التاريخ الحديث اعتُمدت لفظة "الخليج الفارسي" كمصطلح أمريكي رسمي في العام 1917 ، وقد وثق ذلك في (لوحة الأسماء الجغرافية الامريكية: The U.S. Board on Geographic Names (BGN) . لكن المواقف بدأت تتغير بعد نجاح الثورة الإسلامية في ايران عام 1979، وبدأت بعض الدول وفي مقدمتها امريكا وفرنسا تستخدم مصطلحات مثل "The Gulf" أو "Arabo-Persian Gulf".
بعد العام 1991 ظهر توجه امريكي جديد لاستخدام لفظة الخليج العربي او لفظة الخليج، ويبدو ان ذلك كان لدوافع سياسية، اذ نشرت الجمعية الجغرافية الوطنية National Geographic Societyأطلسًا في عام 2004يضيف مصطلح الخليج العربي بين أقواس اسفل مصطلح الخليج الفارسي. واضطرت في الطبعات اللاحقة كما في العام 2010 الى ادراج ملاحظة في الحاشية تقول: ((تاريخيا والأكثر قبولاً وتداولاً هو اسم الخليج الفارسي)) بعد احتجاج الجانب الايراني. وقد اجرى غوغل استطلاعًا عبر الإنترنت على الاسمين في العام 2010 (لمدة 4 اشهر) وشمل الاستطلاع أكثر من 434000 صوت، وكانت نتائج التصويت بحدود 308000 صوت ايدت اسم "الخليج الفارسي" وحوالي 127000 صوت ايدت تسميته بالعربي، بنسبة 71% لتسمية الخليج الفارسي و29 % فقط لتسمية الخليج العربي، كما تكرر استخدام شركة Google لفظة الخليج بشكل مجرد، كما رفع موقع "غوغل خرائط" الاسم بشكل كامل لفترة في 2012 وتركه بدون اسم الامر الذي حفّز ايران لمقاضاة شركة غوغل معتبرا أن "إزالة اسم الخليج الفارسي هو كاللعب بمشاعر وحقيقة الأمة الإيرانية" التي اعتبرتها مؤامرة غربية، و مؤخراً بدأت خرائط شركة Google الامريكية بتغيير سياستها باستخدام مصطلحات متضاربة كاستخدام لفظة الخليج الفارسي والخليج العربي، فتظهر خرائط غوغل احدى التسميتين للمستخدمين المحليين اعتمادًا على تحديد الموقع الجغرافي وإعدادات اللغة.
وعلى مستوى الرياضة حصل تعطيل لعدة بطولات داخل ايران بسبب تسمية الخليج بالفارسي، كما حدثت عدة ازمات دبلوماسية من قبل ايران بسبب اسقاط تسمية الخليج الفارسي (Golfe Arabo) بالفرنسية من تحديثات متحف اللوفر في باريس عام 2006 ، وفي العام 2017 ترددت على لسان الرئيس الامريكي ترامب ورئيس أركان البيت الأبيض جون كيلي ، مفردة "الخليج العربي". ".وفي العام 2020 ردت الخارجية الإيرانية بتشنج على تصريحات الرئيس الفرنسي ماكرون الذي استعمل اسم "الخليج العربي الفارسي" ، كما ظهرت اعتراضات على اسماء بعض البطولات داخل الدول العربية الخليجية وكان اخرها اعتراض ايران على تسمية بطولي خليجي 25 في البصرة في العام 2023، وعلى الصعيد البحثي والاعلامي يجد الكثير من العرب والايرانيين صعوبة في تداول المصطلح المقبول اقليمياً، مما يضطر البعض الى تعطيل الانشطة الثقافية والفكرية في المنطقة بحسب رؤية الدولة التي تصدر فيها الانشطة الثقافية والمعرفية، وقد حددت ايران يوم 29 نيسان من كل عام كيوم وطني (يوم الخليج الفارسي).
التسميات في التراث الاسلامي:
زادت اهمية الخليج بشكل كبير بعد انتشار الاسلام خارج الجزيرة العربية، واعاد المسلمون دور الحضارات القديمة في التجارة، وخلال القرنين السابع والثامن الميلادي أصبحت الدولة الإسلامية تسيطر على الطرق التجارية عبر الخليج والبحر الأحمر والطرق البرية عبر الأناضول والتجارة مع بلاد السند، وأصبح المحيط الهندي ميدان بحري إسلامي فقد سيطر التجار المسلمين على تجارة البضائع القادمة من الشرق وخاصة التوابل، وفي التراث العربي الاسلامي اطلق عرب الجزيرة على الخليج عدة مسميات منها "خليج البصرة" أو "بحر مسندم" "خليج عمان" أو "خليج القطيف" و"بحر القطيف"، و"بحر فارس" و بحر خليج العجم" و "الخليج الأخضر". و " بحر البحرين" و "بحر عمان" و" بحر هجر".
ولفظة خليج فارس او بحر فارس من المصطلحات التي وثقها العرب في الدراسات والادبيات والمراجع التاريخية وحتى الدينية منها، فهذه الأحاديث النبوية في كتب الصحاح، فضلاً عن المأثور من اقوال المفسرين واللغويين و المؤرخين عند مختلف المذاهب والمشارب الاسلامية.
ويبدو ان لغة العرب تميل الى تجزئة المسطح المائي الواسع لذا تشير الى التسمية المحلية للخليج وتعطف عليه اسم البحر الابعد، كما يبدو ان العرب اذا ارادت ان تصف البحار العظيمة او الاحداث العظيمة والكبرى الواقعة فيها تعبّر بلفظة الاكثر شهرةً والابعد مسافةً، وهذا واضح من عدة امثلة لنقل العلماء المسلمين ونختار من قول الادريسي في كتابه نزهة المشتاق اذ يقول (....ويتشعب من البحر الصيني الخليج الاخضر وهو بحر فارس... )، وهذا يؤكد ان ما نذهب اليه فقد عبّر الادريسي عن المحيط الهندي وبحر العرب الحالي ببحر الصين ونسبه الى ابعد بلد في اسيا لانه نسبة البحار تكون الى لمن اكثر مقدرة على ركوبه والتنقل فيه، كما اشار الى البحر الاخضر (الخليج) ونسبه الى بحر فارس.
اسم سائد وآخر مُستحدث:
تواردت تسمية الخليج "بحر فارس"، عند جغرافيي ورحالة الحضارة الإسلاميّة العرب والجغرافيين اليونان، واخذ تسميات عدة في الخرائط البرتغالية والأوروبية في بداية العصور الحديثة، منها ((الخليج أو البحر الفارسي، بحر أو خليج البصرة، بحر القطيف، بحر مسندم))، بينما اطلق عليه عالم الخرائط الهولندي جودوكس هونديوس في القرن السادس عشر اسم "الخليج العربي". واطلق عليه العثمانيون في أول أطلس عثماني صدر مطلع القرن التاسع عشر تسمية "بحر البصرة"، باستثناء ذلك انتشرت تسمية الخليج الفارسي عالمياً وحتى اقليمياً وكانت البلدان العربية الخليجية تتداوله الى عهد قريب بحسب الوثائق المنشورة، مع وجود رغبة في بعض الاوساط العراقية خلال الثلاثينيات لتحويل تسمية " الخليج الفارسي" ، الى "خليج البصرة". باستثناء ذلك شاع مصطلح بطليموس الخليج الفارسي في اللغة بالإنجليزية وكان متداولاً بشكل واسع في معجم الأمم المتحدة، وجامعات الغرب الكبرى، وكذلك اللغات الأوروبية، بداعي الاسبقية في وروده في مصادر الرحالة اما مصطلح "الخليج العربي" فهو مصطلح عربي جاء في مصادر مبعثرة واختلطت بتسميات عربية اخرى عبر التاريخ، اما التمسك بتسمية الخليج العربي بشكل قطعي فقد برزت خلال خمسينيات القرن الماضي بعد ان اقترح رجل الأعمال والنائب ا شواطئ الخليج على الجانبين العربي والايراني هم من الناطقين بالعربية، ثم ا للبناني إميل البستاني تميم هذا المصطلح، وتعزز ذلك مع فورة المد القومي عند العرب، واستمرت التسمية تلقائياً في الثقافة العربية، وانتشرت داخل الوسط الفكري العربي وفي جامعة الدول العربية وبلدان الجزيرة وبعض البلدان العربية المتعاطفة مع المد العربي وبالأخص بعد الحرب العراقية -الايرانية، وذهبت بعض المصادر الحديثة ان هنالك قوى مناهضة لإيران من الداخل ترى ضرورة تغيير اسم الخليج الحالي لان نسبة الخليج الى بلاد فارس القديمة التي وثقها الاغريق في القرن السادس قبل الميلاد ليس في مصلحة الايرانيين، وان الاسم الحالي هو ايران.
تسميات محلية واخرى اقليمية:
هنالك شواهد تدل على ان دول الخليج تحاول مسك العصا من المنتصف مع الاحتفاظ بالرأي (القومي) بالتسمية، وهذا ما برهن عليه تسمية (مجلس التعاون لدول الخليج العربية) التي تضم إلامارات العربية المتحدة • مملكة البحرين• المملكة العربية السعودية • سلطنة عمان • دولة قطر • دولة الكويت. ولم ينضم العراق لمجلس التعاون الخليجي بالرغم من مطالبته بالانضمام لهذا التجمّع منذ ثمانينات القرن الماضي، لكنّ تمثيله ظل مقتصراً على بعض الفعاليات الرياضية والفنية في فترة الثمانينات تزامناً مع خوض العراق حرب الخليج الأولى، فلفظة (لدول الخليج العربية) ابتعدت عن التحدي الذي ممكن ان يحدث في حال وضع (دول الخليج العربي)، وهنالك فرق واضح بين الامرين.
وكذلك الامر تكرر عند وضع اسم المنظمة البحرية التي تتابع قضايا البيئة البحرية ظهرت تسمية متوازنة للمنطقتين العربية والفارسية حين تم الاتفاق على التي تضم (( العراق، إيران ، البحرين ، الكويت ، عُمان ، قطر ، السعودية، الإمارات)) التي اتفقوا على تسميتها ب(( المنظمة الإقليمية لحماية البيئة البحرية- Regional Organization for the Protection of the Marine Environment (ROPME), بينما تحمل المنظمات والمؤسسات العاملة في بحار العالم اسماء البحار التي تعمل عليها، مثال ذلك لجنة حماية البحر الاسود من التلوث (Black Sea Commission - BSC)، والهيئة الإقليمية للمحافظة على بيئة البحر الأحمر وخليج عدن (PERSGA).
دروس غير مستفادة:
مرت خلال العصر الحديث حُقب سياسية واحداث عسكرية مؤلمة في هذا الجزء الفاصل بين المسلمين من الايرانيين والعرب ومع اقتراب نهاية عقود طويلة من اعتماد المنطقة بشكل شبه كامل على مردودات البترول وقرب انتهاء فترة اعتماد العالم على استهلاك الوقود الاحفوري في توليد الطاقة، فأن المنطقة بحاجة لتكون بوضع إقليمي موحد وتبدأ وتنبذ الخلاف على الشكليات وتسعى الى التكامل الاقتصادي والمعرفي والجيوسياسي والبيئي، ولعل جائحة كورونا اعطت انذاراً مبكراً واخيراً للدول التي اعتمدت طويلاً على عوائد النفط، اذ من المؤمل ان يتضاءل الاعتماد على مشتقات النفط في العام 2035 ، وبحسب خبراء الطاقة فان آخر سيارة تعمل بالبنزين ستصنّع في العام 2034 واليك ان تتصور ما ستكون عليه حال الصناعة دول الخليج النفطية بعد 14 عاماً فقط .. لذا ينبغي التفكير بالخليج بين الايرانيين والعرب على انه مورداً اقتصادياً وبيئياً مصيرياً لكلتي القوميتين، والاستفادة من مزية تنوع الموارد الطبيعية على جانبيه وثرواته البشرية، ونبذ الخلاف على الشكليات والارتكاز على التلاحم الثقافي والديني المشترك، لاسيما ان جميع المشكلات بين الوجود العربي والايراني وافدة من قوى خارجية غايتها الوحيدة تحقيق مصالح غربية وليست اقليمية.
ارادة الحل:
يبدو امر الخلاف على تسمية الخليج طبيعياً مع وجود نزاعات عالمية مشابهة، فهنالك خلاف اقليمي اكثر سخونة حول تسمية بحر الصين الجنوبي الذي تطل عليه الصين مع فيتنام وتايوان وبروناي وماليزيا والفلبين وسنغافورة وإندونيسيا وكمبوديا وتايلند ليس التسمية فقط بل وملكية بعض الجزر وقد اصبح هذا البحر حيزاً مهماً لتصفية الحسابات بين الولايات المتحدة والصين ومحاولة اثارة الفتن من قبل الدول الكبرى ان تخدمها تفتيت مواقف الدول المتجاورة، كما حصل من محاولة تعميق الخلاف بين الايرانيين والعرب في الصراع على التسمية وعائدية الجزر بدفع من قبل بريطانيا العظمى في الماضي والولايات المتحدة في الواقع المعاصر.
في المقابل هنالك شواهد اكثر سلاسة حول التعامل مع مسألة تسميات نماذج من البحار العالمية، فهذا البحر الابيض المتوسط لم تشكّل تسمّيته اية مشكلة بين شمال المتوسط وجنوبه، بالرغم من الاختلاف الأنثروبولوجي والثقافي بين الافارقة المسلمين والأوروبيين الغربيين، بل على العكس فقد كان هذا الماء المالح يوما جسراً حضارياً للثقافات على جانبيه، وكذلك الحال في تسمية المضيق البحري الذي يفصل بين فرنسا وبريطانيا، فتسميته بالفرنسية مضيق كاليه (ݒا دو كاليه)، على اسم البلدة الفرنسية عند شاطئه الشرقي، وبالإنكليزية مضيق دوڤر (دوڤر سترايت)، على اسم البلدة البريطانية على شاطئه الغربي. ولم يتسبب بأي نزعات قومية لدى الجانبين.
ان العرب والايرانيين تجمعهم امتدادات تاريخية وثقافية وعقائدية واجتماعية من المهم ان تتغلب على هواجس الخصومة والعداء والأطماع والانتهازية المقيتة، ولهذا السبب اطلق جهات رسمية عليا نها السبعينيات مقترحاً حول تسمية الخليج تحت اسم موحد هو (الخليج الاسلامي) باعتبار ان المنهج الإسلامي يتجاوز التابو القومي والشعبوي لكنه لم يلقَ موافقةً من الدول العربية والخليجية خصوصاً بعد اندلاع الحرب العراقية الايرانية.، ومن الغريب مصطلح "الخليج الإسلامي" استخدمه الاسلامي المتشدد أسامة بن لادن في خطاباته التحريضية أواخر عام 1996.
تسميات مرنة:
طُرح رأي محايد للتسمية بلفظة (الخليج) المجردة او (الخليج الفارسي⁄ العربي) وهذا المصطلح اكثر توازناً فالخليج هو ''الخليج العربي'' بالنسبة للدول العربية، و''الخليج الفارسي'' بالنسبة لايران، ولتعّذر تغيير تسمية الخليج الى احد الطرفين فمن الممكن قبول تعدد التسميات من كلي الطرفين وتفهم دوافع الاعتزاز التاريخي والقومي لكل طرف على جانبيه، وهذه الحلول ممكنة جدا اذا توفرت ارادة الحل، ولنا ان نقترح تسمية مقترحة وهي ان يكون اسمه خليج (محمدﷺ) او (الخليج المحمدي) وهو اعظم اسماء الخلق عند جميع المسلمين بما فيهم المجتمعين الفارسي والعربي، ولطالما كانت هذه المنطقة مركزاً للاسلام والنبوة ومنطقاً للرسالة المحمدية، فما احوجنا اليوم ان يتشرف هذا الخليج باسم النبي الفخم ((محمدﷺ)) وهو الذي ألّف قلوب الاعاجم والعرب تحت راية (لا اله الا الله محمد رسول الله)، افلا يستطيع باسمه المبارك ان يجمع بين قلوب المسلمين على ساحليه الشرقي والغربي، ناهيك ان تسمية الخليج بخليج (محمدﷺ) فيها دلالة معنوية وابعاد حضارية واعلامية لمواجهة بعض المتطرفين الغربيين الذين يسيئون الى المسلمين بمهاجمة القرآن الكريم والرسول الاعظم في منشوراتهم المتشددة في الاونة الاخيرة، وهذه التسمية ستكود الرد المعنوي الاكبر والنصرة الاعلامية الابرز للرسالة الاسلامية العظيمة.
ومن الواضح ان نزاع التسميات اصبح مادةً لإشعال الحروب الكلامية التي تستخدمها الاطراف الغربية في معركتها الاقتصادية والإيديولوجية في منطقة الشرق الاوسط ، وهو بذرة لخلاف مستقبلي للأجيال القادمة في منطقة الخليج، لذا لا نرى مبرراً لحرب التسميات التي تخوضها بلدان المنطقة لأسباب لا تستحق الخوض فيها وهي تصب في مصلحة قوى خارجية، ونرى ان التشدد في المواقف من العرب او الايرانيون لن يحقق الاستقرار والتعايش السلمي في المنطقة، بالمقابل هنالك قوى خارجية تحاول التلاعب بالقضايا الخلافية وتتبنى مواقف ضد هذا الطرف او ذاك من خلال اعتمادها لتسميات متضاربة في المنشورات الواسعة الانتشار عالمياً ،
ومن وجهة نظري فهنالك بلدان يمكن الاحتكام اليهما في التسمية الملائمة للخليج وهما اقدم الحضارات في المنطقة ((الحضارة السومرية في العراق وحضارة ايلام في بلاد فارس)) وهاتان الحضارتان تعودان الى 4000-3000 سنة قبل الميلاد، وهما يمثلان القوى السياسية الرائدة في الشرق الأدنى القديم والتحضر المبكر للشرق الأدنى خلال فترة العصر الحجري (عصر النحاس)، واذا اتهمني احدهم اني ((اجرّ النار لقُرصي)) فأني اقول ان اغلب ما يثار حول التسمية كانت ومازالت بدوافع ايدلوجية وان ثمن الخوض في الخصومة حول التسمية اكبر بكثير من الابقاء عليها ومن اتقن رائحة البارود لثمان سنوات في حرب الخليج الاولى بدفع خارجي وقومي تحت شعارات الحدود اكثر فهماً لتداعيات الخصومة بين الجيران المسلمين، وان من يغذي شحنات الخصومة من الاطراف الاقليمية ليس بعراقة الحضارات الاولى وان تم عزلها معنوياً من معظم العناوين الخليجية المعاصرة...!!!
.هوامش:
•The Commission on the Protection of the Black Sea Against Pollution, http://www.blacksea-commission.org/
•Rattibha: https://rattibha.com/thread/1467937422088589320..
•https://misbar.com/qna/2021/02/09/%D9%87%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82-%D9%85%D9%86-%D8%AF%D9%88%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D9%84%D9%8A%D8%AC
•https://twitter.com/iraninhk/status/1255378295589306369
•https://observers.france24.com/en/20100616-web-controversy-persian-gulf-or-arabian-gulf-iran
•https://www.cais-soas.com/CAIS/Geography/persian.gulf/persian_gulf_name_disputing.htm
•Brian Whitaker(2010) Persian Gulf? Arabian Gulf? One big gulf in understanding. The Guardian News
•https://www.strausscenter.org/strait-of-hormuz-about-the-persian-arabian-gulf/
•https://www.quora.com/Which-term-is-geographically-more-accurate-the-Arabian-Gulf-or-the-Persian-Gulf-Why
•https://en.wikipedia.org/wiki/Persian_Gulf_naming_dispute
•https://raseef22.net/article/110058-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D9%84%D9%8A%D8%AC-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A-%D8%A3%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D9%84%D9%8A%D8%AC-%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%A7%D8%B1%D8%B3%D9%8A-%D8%A3%D9%85-%D9%85%D8%A7
•https://observers.france24.com/en/20100616-web-controversy-persian-gulf-or-arabian-gulf-iran
•https://learnenglish.nu/english-learning-language.php?english-learning=1236
•Karen Zraick(2016)Persian (or Arabian) Gulf Is Caught in the Middle of Regional Rivalries. The new York times,
•http://istta.ir/pages/ar/details/6779/%D8%AA%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%AE-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D9%84%D9%8A%D8%AC-%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%A7%D8%B1%D8%B3%D9%8A https://www.nytimes.com/2016/01/13/world/middleeast/persian-gulf-arabian-gulf-iran-saudi-arabia.html
•فؤاد جميل، الخليج العربي في مدونات المؤرخين البلدانيين الاقدمين، مجلة سومر، ١ﺝ. ،. ﻤﺠﻠﺩ. ٢٢. ،. ١٩٦٦. ، 18 صفحة.
•حسن خليل حسن ، مقالة كنوز العراق... في زمن الكساد النفطي؟ صحيفة المثقف: العدد: 5984 : 23 - 01 - 2023م.
•بحر الصين الجنوبي... «البيئة الأخطر» للمواجهة بين واشنطن وبكين: صحيفة الشرق الاوسط-رقم العدد : 15852- 23 أبريل 2022
•نزار بدران(2017)البحر المتوسط... شرخ فاصل أم جسر واصل؟صحيفة العربي الجديد
•بحر الصين الجنوبي"؟ CNN الاقتصادية، ولماذا يتم التنازع عليه؟ 17 شباط 2016
•الهيئة الإقليمية للمحافظة على بيئة البحر الأحمر وخليج عدن (PERSGA): https://persga.org/ar/