(دروبُ الموت 4) من الزيبارالى أشنوية وقصة البغلة
    الخميس 24 يونيو / حزيران 2021 - 04:51
    قاسم محمد الكفائي
    مَكثتُ في مقر حزب الدعوة الذي يقع في الزيبار ضمن منطقة بمنطقة باهدينان خمسة عشر يوما تقريبا كنت فيها أتابع تقديم ما لدي من أخبار ومعلومات قد يستفيد منها الحزب المعارض  والعنيد على نظام صدام حسين. كان المقر في الأرض المحرَّرة أو المحرَّمة على جيش النظام دخولها. فكان آمنا وكنتُ مُطمَئنا فيه خصوصا عندما أجد نفسي بين الذين وَددتُهم وأيدتُهم وشاركتُهم وحشةَ السياسة. خلال مدة إقامتي تلك تعرّفت على نقاط ضَعفِهم أمنيا وفنيا، فكانوا يعتمدون على الأكراد المحيطين بهم بالحفاظ على سلامة مقرهم، مع أنهم يتناوبون الحراسة الليلية بلا خبرة ودون الإلتزام بقواعدها الفنية. في هذا الوضع كانت تحيط بهم جواسيس صدام من الأكراد، فكانت هناك نشاطات ضدهم أودَت بحياة الكثير من الشباب الذين ينطلقون من هذا المقر الى الداخل بمهمات مختلفة عبرمسيرة سنين المرابَطة دون أن يعلموا حقيقة تفاصيل هذا الخرق الى اليوم. عرفتُ في حينها أن دروس الفلسفة وعلم المنطق والأصول في ذلك الظرف يصنع الغباء في قضايا الأمن وفنون القتال. كنتُ أحسب الساعات لمغادرة المقر شوقا لزيارة جدي الأمام علي بن موسى الرضا وأخته السيدة معصومة فاطمة عليهما السلام، وكنت تواقا أن أرى مدن إيران واستمتع بها، (غفلة عاشق). في الأسبوع الأول من وصولي المقر وخلال حديثنا الموسع نصحني ( مسؤول المقر) بعدم ذكر الكثير من النقاط التي إطلعَ هوعليها إذا ما أجري التحقيق معي من قبل المخابرات الإيرانية (الإطلاعات) كأي قادم من العراق. صعقتني هذه النصيحة حين سمعتها من رجل سياسي أثق به بينما أنا حتفظُ أ بمعادلة ثابتة حين كنتُ في العراق أنه وغيره من المجاهدين العراقيين جنودا من جنود الحكومة الإسلامية. لم أكن غشيما لكنها حقيقة ومعادلة دينية وسياسية تثقفتُ عليها كغيري من الشباب المُتطلع الى ربط مستقبل ومصير الشعبين معا. كذلك تلقيتُ نصيحة من مجاهد آخر بأن اطلاعات ايران لا تتعامل بأخلاقنا وحبنا للجمهورية الإسلامية نظرا للوضع المتأزم وما يترتب عليه من إشكالات. وصل مسؤول المقر المناوب (ع) القادم من طهران فقررنا الرحيل وكنتُ معهم عازما على وصول طهران، مع أني تلقيت نصائحَ كثيرة بالبقاء في المقر لحمل السلاح ومشاركة الأخوة المجاهدين جهادَهم، فبقيتُ أحسبُها لأيام ولم أقتنع بتلك النصائح لأن خبرتي وموهبتي لا تتناسب مع ذلك الطاقم، في ذلك الوضع الذي سيشغلني عن تحقيق ما لدي من مشروع مناهض الى صدام ونظامه (أحلام غيور). تقريبا في النصف الأول من العشرة الأولة للشهرالحادي عشر لعام 1985غادرتُ المقر بما فيه من أفراد مع قافلة من مجاهدي حزب الدعوة وكانت روحي متعلقة بخُلقهم الرفيع وبوطنيتهم العالية التي تظهر عليهم في تلك الأجواء، متطوعين من أجل خلاص الشعب العراقي من الطاغوت الجاثم على صدره، وفي سبيل مستقبل العراق، فكانت (الدولة الكريمة) حلمُهم وغايتُهم. الطريق الذي سلكناه كان بعضه خطيرا على حياتنا مرورا بالمثلث (العراق، إيران، تركيا) وقضاء صدِّيق ومنطقة حياة وبرزان والزاب وسلسلة جبال لا يحضرني ذكرها، وغيرها من القرى والجبال والوديان. على سفح تلك السلسلة الجبلية كما أتذكر قبل منطقة برزان حدثت معي طريفة ترقى أن تكون واحدة من خاطرات أو ذكريات تلك الحقبة فهي ليست خالية من الموعظة. كانت قافلتنا تضم مجموعة من الشباب المجاهدين وكان معنا (بغلتان) محملتان ببعض الأشياء الضرورية. في هذه المنطقة وضعنا أمتعتنا من على ظهري البغلتين على الأرض كي يستريحا ونحن كذلك. واحدة منهما أصابها الجنون وهربت باتجاه قمة الجبل الممتد ارتفاعه ببطىء. لحقها الحاج فوزي كردي فيلي وهو أقوى رجل بدنيا في المقر وعليه يُعول الكثير من الأعمال، تبعها مسرعا أقل من ربع ساعه وتوقف، ولما رأيته من بعيد راجعا باتجاهنا أخذتني الحمية على رجولتنا نحن الشباب وبغلتنا فهي بمثابة (لوري خشب في تلك الحقبة). ركضتُ مسرعا (صعودا) باتجاه الحاج فوزي والبغله، الجميع نادوا علي دعها تذهب فليس لنا فيها نصيب، تكرر الصياح عليّ بينما أنا أجري بسرعة وصلت الى الحاج فوزي الذي نصحني بالعودة الى قافلتنا. أبيت ذلك وبقيت أعدو باتجاهها وهي تجري بجنون صعودا الى الجبل، بعد محاولات نصف ساعة تقريبا إقتربتُ منها وكانت في حالة التعب والإرهاق، محاولات كثيرة قمت بها للإمساك بالبغله حتى حالفني الحظ طوقتُ رقبتها بذراعَي الإثنين. بقيتُ ماسكا بها كي أستريح وألحق بنفسي المتسارع. بقيت أجرها الى الأسفل حينها رآني الحاج فوزي من يعيد جدا بدأ يقترب مني رويدا حتى التقينا على الجبل وصعد البغلة فوصلت الى قواعدنا سالمة. الجميع شكرني، والجميع قال لي هذه أول مرة نرى فيها هذا المنظر، فمن عادتنا لو وقع هذا الأمر نحاول معها قليلا وندعها وشأنها أما أنت فقد سجلتَ إنجازا رائعا مع هذه البغلة المجنونه لأمرين إثنين الأول قوتك البدنية وتحملك صعود الجبال، ثانيا لأنك غشيم، لم تحسب لخطورة صعودك الجبل حسابا وكانت بيننا وبينك مسافة طويلة، فهناك كثير من الإشكالات في هذه المناطق. مما يُذكر أيضا لما سافرتُ الى العراق التقيت بمسؤول مقر الزيبار في بغداد عام 2012 (عضو برلمان حاليا) الذي لم ألتق به منذ العام 1988. فورا ذكرني بقصة البغلة، فلما سألته عن أهمية القصة قال في ذلك الظرف كان إنجازا رائعا جدا. تذكرتُ قصة البغله هذه وقد راعني أهلي الذين تذكروا (بغلة واحدة) إقتفيتُ أثرها ومسكتُ بها في زمن مضى كان لي فيه شيىىء من الخبرة، ولم يتذكروني في هذا الزمن الذي استوعبتُ فيه خبرات تمكنني من إمساك ألف ألف بغلة. إنا لله. بعد مسيرٍ مضنٍ ومتواصل لأكثر من عشرة أيام وطأت قدماي أول مرة الحدود الإدارية الدولية لإيران، شعرتُ فيها برغبتي في الحياة، وقد دَخَلَت على قلبي السكينة. بعدها بساعات وصلنا أول مدينة إيرانية صغيرة إسمها (إشنوية) تابعة الى قضاء خوي. في الحلقة القادمة سنتحدث عن الإشكالات الإدارية الخطيرة التي صادفتني في مديرية ناحية هذه المدينة. الى حلقة خامسة قادمة.
     
      قاسم محمد الكفائي 
    Twitter…………Qasim.ALkefaee.canada

    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media