(دروب الموت 6) الهجرة الى الباكستان واستشهاد سعيد
    السبت 26 يونيو / حزيران 2021 - 16:13
    قاسم محمد الكفائي
    المؤسسات الدولة الإيرانية بطبيعتها لا تقدرالظرف الذي عشته أنا المهاجر العراقي ولا يهمها مَن أكون، وما هي الخسارة التي ترتبت على مغادرتي وطني وعائلتي بسبب وقوفي ضد نظام صدام حسين تأييدا للثورة الإسلامية(لم أندم أبدا). فبين الحين والآخر أتعرف على نمط جديد من عدم اكتراث بي وبالعراقيين ونحن لا نساوي عندهم ضرطة عنز. وقد يتسائل البعض، وماذا عن الكيانات السياسية والعسكرية العراقية المعارضة التي تعمل في الداخل الإيراني وبتمويل حكومي...؟ هنا أوضح حقيقة أنَّ هذا العمل لا قيمة له عندما يكون المواطن ذليلا وتكون فيه بعض الأطراف المنتفعة تعيش حالة التخمة، وما كان هو الحل الأسلم والصحيح لعملية تغيير الواقع المظلم في العراق، سوى أنه ردة فعل لصراع قائم ما بين حكومتي العراق وإيران، فكلُّ خصم يدعم خصوم الطرف الآخر(تبقى إيران صاحبة الحق في الحرب الدائرة ما بينها وبين نظام صدام حسين1988-1980).
    في يوم شؤم كنت فيه داخل الأوردكاه جائني المترجم صلاح التركماني، أبلغني بأن ضابط الإطلاعات آقاي رضوي جاء من وزارة الإطلاعات بطهران يريد التحدث معي. وافقت والتقيته، كان واقفا على حائط من حيطان الأردوكاه حين تصافحنا. لم يتحدث معي بشيء من الرقي يشعرني باحترامه لي سوى أنه بدأ بكلام ما معناه .. إشتغل معنا وسنعطيك راتبا شهريا ونزوجك ... ثم أكد نفس الكلام أثناء حديثه وفرك إصبعيه ببعضهما وقال (بول بول يعني فلوس). أعدت عليه ثقافة المذلة في حينها وسألته... هؤلاء أنتم الذين انبهر بكم العراقيون؟ الرجل كان خلوقا ورائعا، لكن الخطأ الذي وقع فيه هو جهله وإهمال مؤسسته بتوجيهه بالتعامل مع الآخرين وكسبهم (هذا العمل بحد ذاته يحتاج الى توجيه)، فما حمله هو القيام بالفعل للإتصال بي ودعوتي أن أكون بخدمتهم. أما كيفية أدائه بشيء من الجهل والرُقي فكانَ على هواه. بعد يوم كتبت رسالة الى رئيس الجمهورية بواسطة وزارة الإطلاعات شرحت فيها سبب مغادرتي العراق مُكرَها ودخولي إيران لا يخرج عن حالة التأييد والوفاء للإمام الخميني واعتبارات سياسية أخرى وكان الثمن هو وطني وأولادي والوالدين، وكتبت ما معناه، نحن العراقيون لا نعرفكم من غير الإمام الخميني، ثم بينت ما جرى علي من تعامل..كان رئيس الجمهورية وقتها هو سماحة السيد علي الخامنئي. بعد أكثر من شهر صادفني هذا الضابط بطهران في بناية حكومية لا أتذكرها وعاتبني على تلك الرسالة بأدب وبشيىء من عدم الإرتياح. طلبت من آقاي شهيدي وهو ضابط المخابرات المسؤول عن معسكر العراقيين كان ذا قيمة عالية من الخلق والنقاء أن يساعدني بأمرٍ واحدٍ لا غير، حين أبدى إستعداده كشفتُ له العزم على مغادرتي إيران الى دولة الباكستان حيث مكتب الأمم المتحدة هناك علّي فيه أجد سبيلا لمستقبلي أنا وعائلتي. واجهني بنصيحة أخيرة أن لا أخرج الى الباكستان لأن مثل وضعي نهايته القتل على أيدي مخابرات صدام، وقال: أنا نصحتك من قبل وأكرر نصيحتي بأن لا تخرج من إيران. كان ردّي: نصيحتك هي الصواب، ولكن دعني أمارس كفائتي ضدَّ النظام في الخارج وسأنجح. ثم قلت له أنا لست في موقف الرجل المعادي الى إيران لذا أطلب منك مساعدتي بأن لا تُؤخَذ عليّ تهمة إرتكاب مخالفة القوانين لو تم القبض عليّ في الحدود مع الباكستان. أخيرا وافق بشرط أنّ (حبلي على غاربي). بدأتُ بالبحث عن رفيق درب يرافقني ويتقاسم معي كل المنايا والمشقات حتى وجدته، رفيق دروب الموت (سمير)، بهذا الإسم عرفهُ كلُّ أصدقائُه فلما طرحت عليه الفكره تقبلها وكأنها نزلت عليه من السماء لأنه سبق وإن حاول الهروب عبر الحدود عدت مرات قبض عليه وأعيد الى مدينة كرج وذات مرة ألقي القبض عليه داخل الأراضي الأفغانية وتم سجنه في مدينة (هرات) لتعيده السلطة الأفغانية الى إيران.
    عندما أخبرت بعضا من أصدقائي بنية السفر الى الباكستان نصحوني بالتريث والعمل كحد أدنى بمقرهم في شمال العراق أفضل من هذه المُهمة. كنت متشنجا لا أرى طريقي الذي أسير عليه ولما عجزوا عن عدولي نادوا عليَّ الى مقرهِم وأكرموني بثلاثين ألف تومان. في يومٍ عصيبٍ عليَّ انطلقت قافلتي أنا وصديقي سمير من طهران الى كرمان (غيَّرت مسار طريقي قليلا لاعتبارات تتعلق بنجاح المهمة) بعدها توجهنا الى مدينة زاهدان ثم خرجنا منها باتجاه ميرجاوه لكننا نزلنا من السيارة على الطريق المؤدي الى قرية بيشين وكان الوقت عصرا. إختفينا خلف تلة تراب حتى الغروب...إتجهنا على الحدود الباكستانية وكانت رحلة تلك الليلة هي رحلة الموت المحقق في تلك الوديان المخيفة ونومنا على سفح الجبل نتوسد الصخر، نتناوب الحراسة أنا وزميلي (القصة أوسع وعلقمها أن تبقى سرا في صدري وأخفيها). ما بين القصّة والغصّة خرجنا من قرية (بيشين) الإيرانية يوم الجمعة 6 ذي الحجة من عام 1407 الموافق 1تموز1987( قبلها بيوم واحد كانت فاجعة مكه حيث إستشهاد أكثرمن أربعمائة حاج إيراني مسلم على أيدي الشرطة الوهابية السعودية بتوجيه من -الموساد والسي آي أي- بينما هم يأدون عباداتهم التي لا تروق لعرش الملك وليس الله رب العالمين ) بسيارة بك آب باتجاه أول قرية باكستانية إسمها (مَند) وبعدها الى مدينة (تربت) الموحِشة ، ثم مدينة كراجي فوصلناها بعد مسير ثلاثة أيام في السيارة (لوري قديم) أو مشيا على الأقدام، فتلقينا معاناة لا تشبه الذي سبقها. كان سمير طيبا معي غير معاند وقد تعب كثيرا خلال الرحلة (التي تخللتها حالات إختفائنا عن ضوء سيارة حرس حدود الإيرانيين في ليلة ظلماء قرب قرية بيشين، أو مطاردة من قبل شرطة الحدود الباكستانية قبل وصولنا مدينة HAP التي عبرناها مشيا على الأقدام داخل الغابات المحيطة بها ثم صعدنا سيارة الى كراجي). وصلنا مكتب الأمم المتحدة في كراجي فوجدنا عراقيين واقفين على الباب، بعضهُم جالسا على التراب ولما سألناهم عن الأحوال وجدنا كلاّ منهم يحمل قصة، لم يحظَون بقبولهم كلاجئين. فمنهم من سبقنا بعام أو أشهر ينامون على الأرض بلا مورد رزق. تحدثتُ الى البوّاب بأننا لاجئين جُدد، أدخلونا بعد دقائق وكان الواقفون يستهزئون بنا بما معناه تعالوا افترشوا الأرض معنا فليس لكما من حَل. دخلتُ على المُحقِّق وكان المترجم كاظم أعتقد من عرب الأهواز يعينني على الترجمة أثناء التحقيق، ثم خرجت مقبولا وفي يدي  شيك بخمسمئة روبية، أما سمير فقد رفضوه ووضعوا إسمَه في قائمة المنتظرين. بقينا سويا لأيام في منطقة ( كانت ستيشن) وسط كراجي، إلا أنه تخلّى عني واصطحب مجموعةً من الشباب الأهوازيين الصايئة فنهيته عنهم ولم ينته، وحاولتُ معه مرات إلا أنه يعجب من أفكاري ونصائحي ولا يفهم أن هؤلاء العرب المعارضين الى نظام الجمهورية الإسلامية هم أشدُّ خطرا علينا ويستحيل على قنصلية صدام أن تغفلَ عنهم دون تنسيق وعمل مشترك. النتيجة المؤلمة أنهم قتلوه وهشموا رأسه وكسروا عظامه في مدينة راولبندي ودفن هناك. ( من هم القتلة..؟ بالمعطيات والقرائن أنا أعرفهم تماما... نعم أعرفهم وأنا المسؤول عن كلامي هذا وإلا فما معنى لكفائتي وموهبتي وكفاحي، وتبقى القصة أعمق). على وقع الجريمة نظمنا تظاهرة كبيرة أمام مكتب الأمم المتحدة استنكرنا وفضحنا نظام صدام فاعتقلتني الشرطة على أثرها وأودعت السجن في إسلام آباد مع لفيف من المتظاهرين بتواطىء من مكتب اللاجئين، ثم أطلق سراحُنا.  النتيجة التي توصلت عليها حول مقتل سعيد زامل صادق أنه لم يكن الهدف الحقيقي لدى مخابرات السفارة العراقية وإنما كان الهدف السهل لاقتناصه ويكون درسا ورسالة الى عموم اللاجئين الذين تعاظم عددهم وشأنهم أفضل من السنين السابقة. في تورنتو بكندا التقيت أخاه الأكبر (مديح) أكثر من مره اعتقد ما بعد عام 2010 بعد محاولاتي العديدة للقاء به عن طريق عراقي آخر. تحدثنا طويلا وأبديت له مساعدتي بالكشف عن القتلة، لم أجده متحمسا للقضية وكأنني أتحدث لصديق المغدور وليست شقيقه. لحد الآن لا أدري ما هو السر. سمير كان هو الإسم المستعار الذي اختاره في منفاه بدل إسمه الحقيقي (سعيد زامل صادق) الصابئي المذهب دون أن يعرفه أحد سوى أنه من سكنة بغداد وأصله من العماره ويتحرك بسلوك شيعي وأخلاق سمحة على السليقة. الشهيد سعيد سبق أن خصصتُ له حلقة من حلقات كتبتها عام 2006 بعنوان (عالم المخابرات) ثم نشرَتها عدَّت مواقع عراقية. الى حلقةٍ سابعةٍ قادمة.

    قاسم محمد الكفائي Twitter…………Qasim.ALkefaee.canada




    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media