محطة رقم 7 الفرزة الثامنة
    الثلاثاء 16 فبراير / شباط 2021 - 21:25
    عطا يوسف منصور
    وقد يطرح القارئ سؤالًا عن ادخالي الاحزاب الدينية ضمن الاحزاب الاخرى الطامعة بالسلطة فأقول : الكل يعلم ان الرسالات السماوية ما جاءت لتحزيب الناس وانما جاءت لتوحيدهم على كلمة بان الخالق واحد  وعليهم توحيده وعليهم عبادته وذلك في قوله تعالى [ وادعُ الى سبيل ربّكَ بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم  بالتي هي أحسنُ إنّ ربك أعلم بمَنْ ضلّ عن سبيلهِ وهو اعلم بالمهتدين ] صدق الله العلي العظيم ولولا  محاربة المشركين للدعوة لكانت الدعوة اختياريةً سلميةً. 

     وقد وضع الله لهم بعض القواعد المهمة في السلوكيات والمعاملات وترك الاخرى لعباده في تحديدها وحثَّ على الاعمال فالصالحة لها أجر وثواب والطالحة لها سوء المنقلب والعقاب وعلى هذا المنهج قامت الديانات  الثلاث وكان الاسلام اخرها في الجزيرة العربية وكل هذا معلوم لدى القارئ. 

    والذي غاب عن ادراك عامة الناس هو اسباب التحزب داخل منظومة واحدة تجمعهم كلمة التوحيد والكتاب والقبلة والرسول صلى الله عليه واله هو القدوة الحسنة عند كل الطوائف المسلمة أقول لقد غاب عنهم بعد  انتقاله الى الرفيق الاعلى وهنا حصل الخلاف على استخلاف خليفةٍ للمسلمين فجماعة ذهبت الى تجهيز  الجثمان الشريف وهم بنو هاشم وجماعة ذهبت الى سقيفة بني ساعدة دون علم الطرف الاهم بنو هاشم كي  تنتخبَ الخليفة ولها دوافعها المعلومة هي السلطة وكان لهم ما ارادوا ثم مضت فترة الخلفاء الاربعة وانتهى الامر بان يتسلم معاوية بن أبي سفيان وهما أي هو وابوه من زمرة الطُلقاء مقاليدَ الحكم ويتسلط بطُرُقه الملتوية على رقاب الناس حيث جعل الخلافة وراثية لإبنه يزيد. 

     وهنا لا بُدّ من ذكر مفارقة غريبة لاحظتها في الاردن في بداية التسعينات كنتُ يومها في مدينة اربد وكان  طريقي من شارع  يحمل اسم شارع الابرار ويبدأ بابي بكر  وينتهي بمعاوية وابنه يزيد قاتل ريحانة رسول الله الامام الحسين عليه السلام فيتبادر الى ذهني سؤال اذا كان يزيد وابوه من الابرار  فكيف يُكَفّرُ أبناء الجماعة أبا طالب عم الرسول والمدافع عنه وعن دينه متحملًا بصبر تبعات الدين من نفي وحصار  لسنين في شِعْبٍ تسمّى باسمه وهو شِعبُ أبي طالب من هذه المقارنة يتبين لي ان اكثر ابناء الجماعة يُصنفون الى ثلاثة  امّا   عالمٌ كاذب مُضل/ وإمّا مُقَلّدٌ جاهل/ أو ناصبي/ ومن هنا بدأ انشقاق عصا المسلمين عندما بدأ الحكم السفياني على يد معاوية فالذين يُخالفونه في الرأي اسماهم بالخارجبن عن الجماعة  والملّة وهم شيعة الامام  علي وكان حظهم من معاوية التنكيل والتشريد وامّا اتباعه فهم اهل السنة والجماعة واتباع الحق ولهم كل  الحقوق والامتيازات والتكريم .

    وبعد زوال الحكم الاموي وقيام الحكم العباسي التي استغلتْ الدعوة بلباس أهل البيت العلوي والانقلاب  على العلويين بعد نجاحهم جعلوا الخلافة وراثيةً أيضًا وقد اتسعت رقعة البلاد الاسلامية بفعل الفتوحات  وتلاقحت الافكار بالفلسفات فأتاح هذا الانفتاح لاهل الاغراض والمطامع استغلال الدين لزرع الالغام  بما يُشوّه الاسلام فكتبوا الروايات الاسرائيلية ووضعوا الاحاديث على لسان الرسول عليه واله افضل الصلاة  والسلام كما فعل اسلافهم بنو امية وفسّرَ وعاظ السلاطين القران بما تشتهي انفسهم وبما يُرضي ملوكهم.  ويذكر لنا التاريخ مآسٍ كثيرةً عن تكفير المسلم للمسلم وقتله ومصادرة  امواله بسبب اختلاف الرأي ويكون  الخليفة هو المحور فيه وشاهدي هو محنة خلق القران في زمن المأمون الذي كان معتزليَّ الرأيِ و الخلاف يدور حول القران أهو مُحدَث أم مخلوق وبمعنى اخر هل كان موجودًا قبل نزوله أم نزل في ساعته وكان رأي المأمون أن القران مخلوق وبطبيعة الحال هناك مَنْ يقول بالرأي الاخر أنّ القران مُحدث وهذا في المصطلح  الديني إجتهاد وهو لا يُقدّم ولا يُخّر في جوهر الدين ولا في احكامه الا ان المأمون حمل الناس المخالفين على  رأيه بالاكراه وخيرهم بين الحياة أو القتل ومصادرة اموالهم وأعدهُ خروجًا عن مِلّة الاسلام وعن طاعته وهو ولي الامر مستغلاً الاية الكريمة التي فسرها حسب هواه في قوله تعالى // وأطيعوا الله ورسوله وأُولي الامر  منكم // صدق الله العلي العظيم وهذه الطاعة تُلزمُ المسلمَ طاعة الخليفة حتى لوكان فاسقًا وِفقَ تفسير  وعّاظ السلاطين كما وضع الوضّاعون اقوالًا تؤيد هذه الفكرة كقولهم // الناس على دين ملوكها / ولعن الله  مُوقِضُ الفتنة // ثم جاء من بعده المعتصم فانكر موضوع خلق القران وفرض القول الاخر بأنَّ القران مُحدث وفعل مثل ما فعل اخوه بالذين يقولون بخلق القران الى ان جاء المتوكل وهو على نفس نهج اخيه المعتصم  وحصر المذاهب في اربعة هي الحنفية والمالكية والشافعية والحنبلية وبقيت المذاهب الى سقوط الدولة العثمانية في 1918 ولا ادري كيف ينساق الحاكم وراء وعاظه والله عزّ وجلّ يقول : 
    // ومَن قتلَ نفسًا بغير نفسٍ اوفسادٍ في الارض فكأنما قتل الناس جميعًا // صدق الله العلي العظيم .  وجاء ال سعود بعالِمِهم محمد بن عبد الوهاب الذي تبنى افكار ابن تيمية فأسّسَ معهم  المذهب الوهابي  وعمموه في دولتهم بالترهيب وسالت دماء المسلمين المخالفين لمذهبهم ونسوا  كلام الله سبحانه وتعالى  في كتابه العزيز// لا اكراه في الدين قد تبين الرُشدُ من الغي فمَنْ يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميعٌ عليم// صدق الله العلي العظيم نسوا هذا المفهوم الانساني وتناساه المسلمون وخرّجوا الايات غاياتهم وفسروها حسب اهوئهم واستحلوا الدماء التي حرّم الله قتلها الا  بالحق  كل هذا من اجل بسط السلطان والاستيلاء على السلطة والتحكم برقاب الناس وتأريخنا الاسلامي  حافل بهذه الاحداث وأكثر مَنْ طالهم التنكيل هم اتباع اهل البيت الذي اذهب الله عنهم الرجس في قوله  الكريم // إنّما يُريدُ اللهُ ليُذهب عنكم الرجس اهلَ البيتِ ويُطهركم تطهيرا // صدق الله العلي العظيم لذلك بقيت هذه الفئة هي الفئة المستضعفة حيث حاولت الوهابية سابقًا وهي تحاول الى يومنا هذا طمسها وكلَّ معالمها منذ تأسست دولة ال سعود على يد ملكهم عبد العزيز في نجد والحجاز  بعد الحرب العالمية الاولى.  ويذكر لنا التأريخ واحدةً من مجازرهم حصلت في كربلاء في 21 اذار 1802 ضحيتها 5000 بين قتيل وجريح  لناسٍ ابرياء كما سرق  ال سعود ما في حضرتي الامامين من كنوز اثرية واموال مع تهديم الاضرحة والمذكور عن اسباب هذا الدافع هو قيام عشيرة الخزاعل العراقية بقتل 200 فردًا من جماعة ال سعود وهو حدث عشائري  امتناع الوالي العثماني من دفع فديتهم لآل سعود وبين حانه ومانه ضاعت مفاهيم الدين وتحمل الابرياء وزرها بسفك دمائهم وبقي الوالي التركي وبقي الحقد على الشيعة يعتمل في صدور هذه الطائفة الوهابية .  كما  يذكر لنا التأريخ ظهور كيانات للشيعة في فترة تفكك الدولة العباسية حيث لم يَبقَ للخليفة الا الدعاء    من الولاة في خُطبة الجمعة ومن هذه الدول الشيعية ظهرت الدولة الفاطمية في مصر والدولة البويهية  في العراق وفي ايران الدولة الصفوية وقد حصلت نفس الاساليب الدموية مع المذاهب الاخرى وهي ردود  فعل لا علاقة لها بالدين وانما لباسها ديني والله جلّ وعلى يقول في محكم كتابه للمشركين وليس للمسلمين  // لكم دينكم ولي دين / ويقول جل شأنُهُ ايضًا فَمَنْ شاء فليؤمن ومَنْ شاء فليكفرْ  // لكن الحقد الاعمى وعمى البصائر ودوافع خفية هي السبب لسفك هذه الدماء البريئة ولا يزرُ الدين أوزارها وهو بريء منها .   
    والغريب المؤلم أن سكان العراق الاصليين وهم المسيح الاشوريون والكلدان قد نالوا ما نالوا من ويلات بعد سقوط الدولة البابلية وأصبح العراق مسرحًا لنزاع الدولتين العُظمَتين في ذلك الوقت الدولة الساسانية والدولة  الرومانية وقد استبشروا بدخول الفتح الاسلامي ولكن يبقى القرار بيد الحاكم ولا علاقة له بالدين ففي حكم  الخليفة المتوكل بالله يُصدر تعليماته الظالمة على اهل الذمة من الكتابيين باخصائهم وسمل اعينهم وتحديد الوان ملابسهم وتحديد حلاقة شعورهم ومضاعفة الجزية كل هذه الجرائم مررها بطيلسان الدين والدين بريءٌ منها في حين يتوجع هذا الخليفة ويتألم ولا ينام ليلته لزعل محبوبتهِ جاريته حَبّابة فهؤلاء هم الذين   مَنْ اهان الدين إبتداءً من يوم تولى معاوية الحُكُم الى سقوط الدولة العثمانية والله اكبر . 
    وأمّا في اوربا ففي العصور الوسطى كانت مآسيهم الدموية بينهم لا تختلف عن المسلمين فالقتال والقتل بين  البروتستانت والكاثوليك دامَ لسنين الا انهم تجاوزوا محنتهم بفصل الدين عن الدولة واستفادوا من تجربتهم  بان يزرعوا هذه الالغام بين المجتمعات التي اصبحت تحت نفوذهم في الحربين العالميتين ومنهم المسلمون   وعَمَد حكام الغرب وامريكا الى استغلالها وتعميق جذور الخلاف إمّا باذكاء الطائفية تارةً أو القومية تارةً اخرى أوضرب الاحزاب التي زرعتها فيما بينها بواسطة المندسين فيها وعن طريق عملائهم والمأجورين  المتغلغلين  في الاوساط الاجتماعية والله ولي المؤمنين . 

    الدنمارك / كوبنهاجن                                                            الاربعاء في 10 / شباط / 2021 

    الحاج عطا الحاج يوسف منصور  





    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media