(دروبُ الموت 8) محاولة إختطافي عام 1988
    الأثنين 28 يونيو / حزيران 2021 - 06:15
    قاسم محمد الكفائي
    في إسلام آباد كنت أشعر بضيق خلال هذه الفترة حين أخرج وأعود من وإلى محل إقامتي، متوقعا قنصي أو إختطافي في أي لحظة، وكنت أعيش معضلة هي أن العراقييين في إسلام آباد هم من الطبقة التي لا ترقى أن تبوح لهم بسرٍّ أو تنال منهم الفائدة سوى الشجار فيما بينهم ويتنابزون بسلوك سيىء فهم بجهلهم أشبه بأدوات تعمل لمصلحة السفارة العراقية في إسلام آباد، فلا يهمُهم مصلحتهم ولا مصلحة العراق ويجهلون مدى الخسارة الناجمة، واستفحال عملاء السفارة، وكيف يخططون، لغة لا يفهمونها وليست في قاموسهم على الإطلاق. فمن بين العشرات لم أجد بينهم سوى عدد الأصابع يمكن الإعتماد عليهم، كان أبرزهم الوطني المخلص عبد الأمير ناجي مطرود من كربلاء، علي وشاكر من بغداد، كاظم محيي من سومر، وآخرين قلائل. كنا نتوقع دائما ردة فعل السفارة العراقية الصدامية حين نقوم بأية نشاطات معارِضة لما لهم من سطوة على الباكستان طولا وعرضا، ولقلة عدد المخلصين الذين لا حول لهم ولا قوة.
    عندها قررت أن أجد سبيلا آخر للحفاظ على حياتي ركنت الى مكان آخر، في مدينة علّي أكون في مأمن بعيدا عن مواطن الشرتم اختطافي في تلك المدينة من قبل عناصر محترفة وأصعدوني الى الطابق الثالث وقفلوا علي باب الغرفة بقفل من الحجم الكبير. كان الوقت هو الثامنة والخمسة والأربعون دقيقة صباحا يوم 12 أو 13 من شهر آذار لعام 1988. بقيت مختطفا طوال النهار. دخل عليَّ الى الغرفة أربعةُ عناصر أجروا معي التحقيقَ وكان الوقت عصرا، فتوعد واحدٌ منهم بنقلي بطائرة داخل صندوق تمر(قد يكون هذا قولا غير دقيقا لأن نقل المختطف عادة يكون داخل صندوق البريد الدبلوماسي وليست صندوق التمر، فأنا أنقل النص الذي هددني به عنصر مهم برتبة رائد أوغلَ في ضربي). واقع الحال الذي عشته ساعات الإختطاف يوحي الى تصفيتي بالمطلق، وكنتُ في حينها أحسبُ لحياتي عدّا تنازليا، إلا أنني أثق بالله سبحانه يقينا صادقا. التحقيق تكرّس عن علاقتي بزعيم الطائفة الشيعية الباكستانية سماحة السيد عارف الحسيني. ما كانوا مقتنعين بجوابي حين أقول لهم بأني أسمع به من خلال الإعلام ولم التق به إطلاقا، فما كنت أكذب بجوابي لكنهم أصروا على أن لي علاقة به وقد حمّلني بعضا من المسؤوليات. الطريف بعد تحريري من عملية الإختطاف بدأت فورا أبحث عن فرصة بروح المُعاند للقاء السيد عارف فأخبرني مصدر من شيعة الباكستان أنه سيذهب في يوم كذا الى مدينة فيصل آباد القريبة من لاهور والتي تبعد قرابة خمسة ساعات عن العاصمة. فعلا ذهبتُ اليها وكان بصحبتي أخي وصديقي وثقتي في المغترَب الباكستاني (عبد الأمير ناجي مطرود- أبو أمل الآن يعيش في الدنمارك) والتقيته في بيت السيد ممتاز حسين. لم يدم طويلا حتى تم اغتيال السيد عارف الحسيني رحمه الله. كان شجاعا بإفراط ليس له حماية ذو كفائة وخبرة في قضايا الأمن. لقد خسره الباكستان كرجل مخلص لعموم الشعب، وكرجل يبني ركائز للسلام والوئام في بلاده، وخسرته طائفته التي تعدادها آنذاك يبلغ أكثر من ثلاثين مليونا.
    عندما يغادر المحققون الغرفة وأبقى بمفردي لم أتحرك من مكاني حتى لا أثير انتباههَم وكنت أتوقع منهم رصدي. عشت المأساة في ساعات الظلام تلك، لكنني أمتلك عنصرَي الذكاء والشجاعة. بقيت أنظر ساعتي اليدوية وتعمدت أنا (المشاكس) أن يقترب عقرب ساعتي حتى الثامنة والخمسة والأربعين دقيقة مساء فيها يكون قد مضى على اختطافي إثنا عشر ساعة بالضبط. هذا الذي جرى ، خرجتُ من الغرفة ونزلتُ من الطابق الثالث بواسطة حبل صنعتهُ من قطع الملابس التي كانت داخل الغرفة. القصة أبلغ وأقسى وأعقد وأمضى جرحا. في ظروف أخرى قادمة سأتحدث بالتفصيل حول هذه القصة.
    وصلتُ الشارع العام حافي القدمين، أوقفتُ (الركشه.. يسمونها العراقيون ستوته أو توك توك)، طلبتُ من سائقها أن يوصلني الى القنصلية الإيرانية، فوصلتها ببضع دقائق وكان الوقت تقريبا التاسعة فلما طرقت الباب الموصَد بقوة ، جاء الحارس وكلمني من خلف الباب، شرحت له وضعي الذي أنا فيه وطلبت منه فتح الباب كي أدخل حفاظا على حياتي من الخطر، كان حديثي معه بلغة فارسية هشة. فتح الباب فدخلت وأجلسني داخل غرفة، وأخذ الهاتف ليخبر المعنيين عني وبعد دقائق جاءا إثنان من موظفي السفارة بعد أداء التحية والتعرف على حقيقة الحال جلب أحدُهم لي نعالا مستعملا.
    في ختام حديثنا سألاني، ماذا تريد أن نفعل لمساعدتك.. طلبتُ منهما تأمين وصولي الى إسلام آباد فورا، ففعلا وهما معجبان أشد الإعجاب بإنجازي الذي حققته، لكن أحدُهما طلب مني تحقيق شيئ حال وصولي الى العاصمة، أن أذهب لمقابلة فلان، (لم أستجب بتاتا لطلبه) ، لكنني بقيت أشعر في داخلي أني مُدانا لما قدماه لي كعمل إنساني عظمته تتناسب مع عظمة المصيبة التي كنت فيها. في ذات الوقت لو بحثنا عن الأسباب الحقيقية وبدقة لهذا الحدث سنجد إيران حاضرة تمثل كلَّ الأسباب من أولها الى آخرها، ما عداها فإن حياتي من قبل والى الآن مختلفة وبوضع أفضل وأرتب. الى حلقةٍ تاسعةٍ قادمة.
    قاسم محمد الكفائي
     Twitter…………Qasim.ALkefaee.canada

      

    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media