(دروبُ الموت 9) محاولات العودة الى إيران
    الأثنين 28 يونيو / حزيران 2021 - 19:57
    قاسم محمد الكفائي
    بعد عملية إختطافي والتخلص منها بأعجوبة عام 1988 إنفردَت بي الأحداثُ وصرت أواجه الوانا من المنايا بإسلوب ناعم، لا يقرئه غيري أنا الضحية، قررت السفر الى مدينة كراجي للإطلاع على بعض الأمور تعينني بالعودة الى إيران لأني اتصلت بشخصية عراقية تقيم في طهران طلب مني العودة حفاظا على حياتي. العودة الى إيران تعني الموت لأنني أعبرُ الحدود الباكستانية الإيرانية من جهة بلوشستان مشيا على الأقدام وقد ألاقي حتفي على أي حدٍّ من من حدود البلدين، وهناك أوجه للمنايا إما بسبب قوافل المخدرات أوعصابات تزوير العملة، أو جماعات سياسية معارضة لو يمر عليها إنسان بمفرده فسيقتلوه حتى لا يُعتقل من قبل حرس الحدود فيكشف عن تواجدهم في تلك المناطق.
    إصطحبني رفيق غربتي وثقتي عبد الأمير أبو أمل (يعيش في الدنمارك الآن) من إسلام آباد الى مدينة كراجي (القصة تطول)، فطلبتُ من زميلي العودة الى إسلام آباد. فعلا عاد وبقيت أنا في كراجي. إلا أن مجيئه معي كان نافعا وكان حصنا لي. التقيتُ بشخص إسمه علاء أو أبو علاء جاء للتو من إيران وسكن بيت (عبد الحسين جيته) الذي أعدمته حكومة أحمد حسن البكر عام 1969 بعد تسلمه مقاليد الحكم على أنه جاسوس لإسرائيل ومعه عزرا ناجي زلخا وعبد الهادي البجاري وألبير حبيب توماس. دخلتُ بيت (جيته) الأثري الذي يدل على أن العائلة شيعية ومن أشراف الهند آنذاك. الدار القديمة الضخمة منحوت عليها بالإنجليزي إسم(JETA عساني أن أكون دقيقا).
    هذا علاء صار لغزا عندي بتهذيبه وخلقه وتحفظه على أبسط الأمور بمجرد أن التقيه أحسه حذرا جدا، وقال لي ذات مرة بأن السيد محمد باقر الحكيم اتصل بشيعة الباكستان بغرض الإهتمام به وأنه الآن يروم السفر الى أوروبا بصحبة عائلته. إنقطعتُ عن هذا اللغز عندما نصحني بالذهاب الى الشيخ علي كورنكي الذي عرفته فيما بعد أنه باكستاني مُسفّر من العراق الذي تربى فيه طول حياته، ويتحدث اللهجة النجفية فهو سيساعدني عن طريق الشيعة في كويته عاصمة إقليم بلوشستان الباكستانية باجتياز الحدود والدخول الى إيران. ليس لي علم به سوى أنني حذر. التقيت صديقي أبو زيد جلال مصطفى صالح سبق لي التعرف عليه في أردوكاه كرج بإيران وسبقني بالخروج الى الباكستان. سألته عن الشيخ علي فاعطاني عنوانه في حي بضواحي كراجي إسمه (كورنكي). بعد معاناة وصلت الى بيته وكان بانتظاري. رحب بي أشد ترحيب، وتحدثنا عن نيتي العودة الى إيران فأوعدني خيرا، لكنه طلب مني السفر الى كويته واللقاء بالشيخ حسن وهو معمم الذي بدوره سيعمل ما بوسعه من أجل تحقيق مهمتي، عرفت فيما بعد هذا الشيخ حسن فهو يسكن مدينة كراجي وليس كويته التي على حدود إيران وهو ليست معمما سوى أنه يلبس العمامة حسب الطلب، لكنه بحسب الخطة سيسبقني بالسفر الى كويته جوا وهناك يستقبلني بعمامته البيضاء ثم ينفذ مهمته الموكلة اليه بتصفيتي مع طاقمه الذي معه، القصة أعمق. لم تمض على جلوسي معه ساعة واحدة طرق طارقٌ الباب إستأذنني واتجه نحو الباب وفتحه وإذا بصوت غليظ وعال النبرة سمعته.. (السلاااااام عليكم) ثم خمد على الفور ولم أسمع منه حرفا واحدا انغلق الباب بسرعة وعاد إلي الشيخ علي، حمدتُ الله في حينها لأن المستور لم يكلفني حياتي. كانت بيدي حقيبة رائعة نوع (سمسنايت) جلبتها من إسلام آباد، بادرته على الفور بسروري أن يقبلها هدية بشرط أن يعطيني مكانها واحدة قديمة، لا يستفيد منها لأضع فيها أغراضي الخاصة. ففرح وشكرني، فلما جلب لي الحقيبة وانشغل بالحقيبة السمسنايت في الغرفه الأخرى صرتُ على الفور عند الباب واستأذنت منه بصوت عال بضرورة المغادرة فورا، ولما جائني مسرعا كنت قد خرجت الى أمام الباب من جهة الشارع. أسف لخروجي مبكرا وطلب مني البقاء الى الغداء فلم ألبي طلبه وما كنتُ أسمع صوتا آخر غيره في الدار. 
    الآن تجدّدت لدي مهمة أخرى وهي كالتالي: لما  ُطرقَ الباب أوّل مرة وأدّى الطارقُ التحية بصوت جهوري إلتقطت له صورة في مخيلتي بحسب نبرات صوته. رسمته طويل القامة، والرقبة والأنف والوجة وأنه رجل تتسم شخصيته بالسطحية والغلظة. هذا مجرد خيال يستحيل تصديقة عند العامة، لكنني أخذته على محمل الجد. إنطلقتُ في الشارع العام أبحث عن ذلك الشكل المرسوم في مخيلتي. بقيت أتطلع في وجوه المارّة في الشارع إما مشاة أو سائقي سيارات الأجرة، والسيارات الخاصة وصرت بعيدا عن الدار مسافة سبعة دقائق مشيا مشغولا بهذه المهمة على تقاطع شارعين رئيسيين، فكلما أرى رجلا قريبا للصورة المرسومة أعرضها على خيالي وإحساسي حتى رسَت على رجل مرّ بسيارته الخصوصي لونها فضّي، ولما توجّه صوب بيت الشيخ علي عدوتُ مسرعا نحوه حتى توقف بسيارته أمام الباب فدخل بسرعة، كنتُ أراقب المشهد من بعيد. غادرتُ الحي فورا باتجاه محطة القطار ورجعت الى إسلام آباد التي وصلتها بعد عناء، وتحرّيتُ عن الأخبار فما كانت تشجع على بقائي مطلقا بعد النصيحة التي تلقيتها من أقرب صديق أثق به. الى حلقةٍ عاشرةٍ قادمة.

      قاسم محمد الكفائي
     Twitter…………Qasim.ALkefaee.canada

    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media