محطة رقم 8 الفرزة التاسعة
    الأربعاء 30 يونيو / حزيران 2021 - 16:33
    عطا يوسف منصور
    بقيتُ انتظر أحدًا يأتي من طرف أهلي حتى حلول الليل ثم جاء المدد بطانيتان ومخدة وبعض الطعام حمله لي ابن عمي سامي الحاج نوري ثم بقي واقفًا فشاهدتُ من شباك الاصطبل الشرطي سوادي يضربه على رأس بعصى على اثرها غادر المكان.

    كانت المجموعة الموقوفة في الاصطبل تتكون من التالية اسمائهم / حسين ساجت مسؤول الفلاحين في منطقة الحسينية / الاحرار  / وصالح ابن المختار علي حنيش اخو المعلم مهدي صاحب محل الوان  وهو كادر شيوعي / و المعلم جميل الملقب أبو فارس / والمعلم المخبر السري جواد كاظم المنتسب الى بيت السبع / و اخوه المعلم المخبر السري الشيوعي عبد الرضا / والمخبر السري التاجر ناجي زرزور / ومعلم من الصويره كان اسمه الحزبي سحاب / والمعلم منصور عبود وهو من الحي يسكن الكوت / والمخبر السري المدرس عمران سكينه ومعه اخوه المخبر السري ياسين / وكاتب متوسطة التحرير كريم عراقي اخو الكادر الشيوعي المخبر السري عباس محمود الذي انتقل الى كربلاء بعد انقلاب 14 تموز / وصاحبي سعودالبدراوي وقد علمتُ أن والده شرطي من اهالي بدرة  وساكنيها / وانا من ضمنهم. وقدر ذكرني نوري عبد سنجر انه كان معي في الاصطبل واضاف ايضًا المعلم جميل برقي .

    كانت قوائم الاسماء المطلوبة للتحقيق تأتي بعد وقت الغروب وقد وصلني الدور للتحقيق معي وتوجهت بي السيارة الى المحافظة او المتصرفية وفيها دائرة الامن/ التحريات وهي في الطابق العلوي وعند وقوفي في الممر نادوني / وين اخو نافع / وادخلوني الغرفة وهناك التقي بالمعلم محسن صالح البندقي لأول مرّةٍ وقد تكلم معي بادب وقال لي ان هناك اعترافًا من شخص اسمه دفّار اعرير وقرأ اسماء الخلية التي كنتُ مسؤلَها وهي نفس الجماعة التي كانت معي اثناء القبض عليَّ في 18 شباط واسماؤهم سعود البدراوي وجميل الجصاني وحسن الجصاني وحسن الدعج وهذا ما لم أتوقعه لأن دفار اعرير فاتحني قبل انقلاب شباط باكثر من ستة اشهر برغبته بالخروج من الحزب وكان من ضمن الخلية فوافقتُ على ذلك بشرط أن لا يتكلم عن الموضوع وبعد هذا اللقاء لم ألتقِ به ولم أرهُ بالمدرسة / وتحليلي هو ان دفّار بعد الانقلاب استبق المبادرة خوفًا من الاعتراف عليه فأدلى باعترافه كي يُسجل براءة ذمته قبل ان تطوله الاعترافات وبذلك سَلِمَ من التوقيف . 

    امّا موقفي بعد هذا الاعتراف فهو ان استسلم الى الامر الواقع فكانت افادتي اني خرجتُ من الحزب في 1 تشرين ثاني 1962 وايدتُ صحة ورود الاسماء واكتفيتُ بهذا القَدْر وبعد الانتهاء تسلمها مني المعلم محسن صالح البندقي رئيس لَجنة التحقيق وخرجتُ من الغرفة واعادوني الى مركز شرطة الخيالة فبادروني بالاسئلة ومنهم المخبر السري المعلم جواد كاظم فقلتُ لهم ماحصل وكنتُ في تلك الفترة لا اعرف المعلم جواد واخاه والذين حددتُ صفتهم الان من المخبرين وكيف يكون المعلم جواد كاظم مخبرًا وهو جارنا من سنين طويله تعود الى زمن ابيه السماك وكيف يكون مخبرًا وهو الحاصل على تزكية من القيادة الشيوعية بأنه ماركسي الا انه لم ينتمِ للحزب وهو الذي تعرض الى اعتداء من القوى المناهضة للشيوعيين اثناء ترشيح نفسه لانتخابات نقابة المعلمين في عام 1961 زمن الزعيم واذا بهذا المناضل الاستخباراتي جواد كاظم يهِبُّ بوجهي منفعلاً / شلون تعترف على سعود على هذا المسكين / فقلتُ له انا لم اعترف عليه وانما اعترف علينا دفّار اعرير وانا ايدتُ اعترافه وهو سيعترف عليَّ في كل الاحوال واني سأصبح / دوشك للندف والدوشك بالعراقي هو المندر/ كرر هذا الفلم معي عدة ايام ولما جاء دور سعود البدراوي إعترف وعاد لنا الا أنّ المخبرين السريين اخذوا موقفًا مني فيه شكل المقاطعة على اعتباري متخاذلًا وجبانًا وبقي الموضوع محصورًا بكلام مجاملات مع صالح علي حنيش وحسين ساجت والمعلم منصور عبود والمخبر السري التاجر ناجي زرزور والمعلم جميل ابو فارس بقيتُ اسبوعين او اكثر وفي احدى العصريات زار المركز رئيس لجنة التحقيق المعلم محسن البندقي وكان لوحده وناداني من الشباك فوقفتُ امامه وقال لي بالحرف الواحد / وصلتنا اعترافات جديدة عليك يا اعور / بلعت العبارة وكان جوابي / الْ لي عندي ذكرته / بعدها غادر  الشبّاك . 

    بقيتُ أقلّبُ في ذهني مَنْ هؤلاء الذين اعترفوا أهم الاربعة الذين في اخر حلقة حزبية كنتُ فيها معهم وهم علي عبد اتبينه وابن عمه عباس جهاد ورحيم هادي الذي تبين لي لاحقًا أنه مخبر سري وأخوه معلم الرياضة مخبر سري مستقل وبيتهم في الزقاق المقابل للسجن الذي فيه صاحب السينما الشتوي ابراهيم عطروزي تركتُ التفكير بالاحتمالات والتوقعات وبقيتُ انتظر مصيري والمكتوب ما منه مهروب . 

    بعد مضي أيام من زيارة رئيس لجنة التحقيق المعلم محسن صالح البندقي طلبوني الى التحقيق مرةً ثانيةً ومعي ناجي زرزور وعند وصولي أدخلوني باسمي اخو نافع الى الغرفة التي بجانب الاولى التي تقابل الدرج ولتقريب الصورة الى القارئ عن دائرة الامن / التحريات وعن المتصرفية او المحافظة فالبناية كما ذكرتُ سابقًا هي من انجازات العهد الملكي وان المقاول الذي بناها هو جبار رمضان النجار  وكانت تتشكل من  طابقين وجناحين يُشكّلان زاويةً قائمةً وجناحها الطويل يكون على يسار الداخل من الباب الرئيسي وفيه بابان رئيسيان يربطهما ممران بالممر الرئيس اما جناحها الاخر فهو اقصر وفيه باب واحد رئيسي يربطه بالباب الخارجية الرئيسية ممر بعَرْض اربعة امتار او  أكثر وفي اخر البناية من الجهة اليمنى باب صغير ينتهي به المبنى وبين هذه الممرات فسحات ترابيه على اساس انها ستكون حدائقًا الا انها تُركت واظنها الى الان مازالت ترابيةً وتوجد دائرة الامن او التحريات في طابق البناية العلوي للجانب الايسر الطويل ويبدأ من الباب الاول الى الباب الثاني وعند دخولي تعرفتُ على المختصين بالتعذيب وهم معاون الامن شوكتْ أعتقد أنه سامرائي والمخبر السري زيدان أو زيادي وهو من سكنة سيد نور وجباره المخبر السري وهو من سكنة العزة / الفيصلية سمعتُ انه قُتلَ في احدى المواجهات في السبعينات مع مجموعة من الشيوعيين في منطقة الايشان أو الجبيلة بقضاءالحي يُقال أنهم من جماعة الكفاح المسلح وسمعتُ ايضًا ان حكومة البعث تصالحت معهم. ومن البعثيين المعلم خالد العاني واخيرًا المعلم الكردي حمه سور الذي صار اسمه محمد رسول الذي اخذني من المدرسة الاعدادية صبيحة يوم 18 / شباط / 1963 .

    بدأ التحقيق مع ناجي زرزور  وقعد خلف المنضدة ووضعوا امامه ورقةً وقلمًا كي يُدلي باعترافه وكنتُ الى جانبه قاعدًا  اراقبه فكتب سطرًا او سطرين وبعد ذلك طلب نقله الى غرفة اخرى ولا أدري ما اعترف به وبعد ان تبينت لي الامور من كونه مخبرًا سريّا اتضح سبب طلبه أن ينقلونه الى غرفة اخرى .  

    وصل الدور لي وبدون مقدمات اراد جباره ان يطرحني أرضًا فوضع يده بصدري ورجله خلفي فوقع هو على الارض فأمسكتُ بيده ليستعيدَ وقفتَهُ فوقف وهو أشدُّ حِنقًا ونقمةً عليَّ فربط يدَيَّ الاثنين بحبل من وَبَرِ كاد الدم ينزف من بين أصابعي لقوة الربط وشِدّتهِ وطلب قعودي على الارض وبدأ هو  والمعلم حمه سور بضربي ومثل ما نقول بالعراقي / وين ما يوجعك / استمر الضرب فترةً بعده سلّمتُ للأمر الواقع وهو أن أعترف مجددًا على أخرين ولكن على مَنْ سيكون اعترافي وأنا لا أعرف مَنْ اعترفَ عليَّ ولا بُدّ لي من أن اخرج بأقل الخسائر وكان على مسافةٍ مني فوزي موسى المكصوصي يبكي وهو ممن كنتُ واياه في خلية واحدة فقلتُ في نفسي لا بُدّ انه ذكر اسمي واسم المجموعة . 

    كان المخبر السري جبارة يروح ويأتي عليَّ يتهددني ففكرتُ أن آخذ بشيءٍ من حقي وفي اثناء مجيء جباره خرج رئيس اللجنة التحقيقية محسن البندقي فناديتُ عليه قائلاً / استاذ محسن هذا ما أبقى عندي فكر كل دقيقة ويأتي يتهددني / فجاء رئيس اللجنة محسن وسطر جبارة سطرةً على رقبته/ جعلتني أردد قول عنترة العبسي / ولقد شفى نفسي وابرأ سُقمَها /  بهذه السطرة  بعدها انهيتُ افادتي بالاسماء السابقة وأضفتُ لها فوزي موسى ومجموعته التي  كنتُ معها وسلّمتُها الى رئيس اللجنة محسن البندقي . 
       
    الدنمارك / كوبنهاجن                                                                     الثلاثاء في 29 / حزيران / 2021 

    الحاج عطا الحاج يوسف منصور  


    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media