(دروب الموتُ 10) من إسلام آباد الى كويتة
    الثلاثاء 29 يونيو / حزيران 2021 - 05:40
    قاسم محمد الكفائي
    مدينة كويته هي عاصمة إقليم بلوشستان، بعيدة عن إسلام آباد بمسافة تستغرق يومين في القطار تقريبا. لم يمض على عودتي من مدينة كراجي الى العاصمة سوى يومين حتى التقيتُ بصديق نجفي طلبتُ منه أن يوصي أخاه حسن الأصغر منه ليرافقني بالذهاب الى كويته فوافق على طلبي. صعدنا القطار من راولبندي برحلة شاقة حتى وصلناها بعد يومين تقريبا. مكثنا في فندق من الدرجة 5 تحت الصفر إسمه (نمكي أو نمك معناه بالفارسية المالح- عسى أن أكون دقيقا، كان صاحبه رجل راقي في تعامله). شكرتُ حسن النجفي (يعيش في السويد حاليا)على مساعدتي والمعاناة التي واجهها من أجلي فعاد الى إسلام آباد. تحركتُ داخل المجتمع الشيعي في مدينة كويته فوجدت مكانا آمنا للمبيت في مدرسة دينية أو حسينية، واتصلت بالشيخ يعقوب (إمام صلاة الجمعة، أعتذر إن لم أكن دقيقا في ذكر الأسماء)، ترددت عليه كثيرا واطلع على الكثير من أحوالي فكان بحسب ذاكرتي وكيلا للإمام الخميني، وشخصية مهمة بحسابات إيرانية لا يمكن تجاهلة، وبعض من مصالحهم ترتبط به في مدينة كويته والإقليم. في يوم من أيام مكوثي وزيارتي الى بيت الشيخ إتفقنا على تأمين عملية دخولي الى إيران بشكل رسمي وكان يتحدث معي كفيلا وضامنا وأنها مسألة بسيطة. إتصل بالقنصلية الإيرانية في المدينة وتحدث الى الرجل الأول فيها، بعد تفحص الأمر جاءه الرفض من طهران. عرفتُ بالنتيجة هذه عندما التقيتُ الشيخ بعد أسبوع تقريبا في بيته ولما دخلتُ عليه إبتسم وقال بالعربية: (يا أخي مشكلة كبيرة بينكم صعب حلها، لقد رفضوك ولن يسمحوا لك بالدخول أبدا.. وقال : القصة غريبة فطلبي دائما عندهم ماشي لأصعب القضايا إلا أنت). الى هذا الوقت فقد مضى عليّ في مدينة كويتة عشرون يوما تقريبا.
    لما يأست من تلبية طلبي الأول إلتمستُ الشيخ بطلب آخر فقال تفضل إحكي سيدنه.. قلت له بلّغ الإيرانيين أني سأدخل بمجهودٍ الفردي الى إيران عِنوة، وسأفعلها لأثبت هويتي أنا العراقي العربي. تألم الشيخ لحالتي مع أنه ذراعهم القوي في المدينة وخجل مني كثيرا.. ثم طلبتُ منه طلبا عسى أن لا يردني به.. تفضل أخي قاسم.. قلت له عندي مبلغ (1500  دولار) أريد تحويلة على طريقتك الى قم المقدسة لأن طريقي فيه موتي وحياتي فلمَ نخسر الحالتين، عندي أخ في قم المقدسة قد يستفيدَ منه. بهت الشيخ ونظر إلي بترقب وإمعان..كيف تحوّل هذا المبلغ وأنت هنا لا تستطيع الخروج من هذه المدينة.  قلت له، شيخنا ساعدني بتحويل المبلغ وسأبلغ صديقي هناك لإستلامه ولو وصلتُ سالما سأقبضه منه. إتفقنا على أن أتصل به ويذهب إعتبارا من يوم غد الى مدير مكتب الشيخ المتظري في قم المقدسة لإستلامه. إتصل الشيخ تلفونيا بمدير المكتب وبلغه بالأمر وقال له، هذا المبلغ يبقى لدينا للتصرف به في مكتبنا. ولما شكرته وقبلت جبينة، خرجت من داره والغضب الذي انتابني لو وقع على جبل لتصدَّع. فعلا تمًّ إستلام المبلغ من قبل صديقي بواسطة المكتب نفسه في قم المقدسة. خططتُ لمغادرة كويته، متجاوزا حالات الشعوربالخطر، فخرجتُ منها باتجاه الجبال والحدود ولما بلغتُ سلسلة جبال تفصل ما بين الباكستان وإيران بعدها نزلتُ بوادٍ سالكا طريقا رفيعا بين الصخور باتجاه مدينة زاهدان ما قبل مغيب الشمس (أعرفُ الطريق وكنت قد مشيتُه من قبل، فهو طريق الموت).
    خرجتُ من مدينة كويته باتجاه الحدود وقد أخذ مني نهارا كنت خلالها بين الموت أو السجن والمجهول، الجبال الشاهقة والوديان العميقة وعصابات المعارضة الإيرانية أو تجار المخدرات وتزوير العملة ومهربو البنزين من إيران الى الباكستان، أو مهربوا البضائع المختلفة ،عصابات ليس لهم هوية تدعمهم السعودية أو الإمارت من أجل التخريب داخل إيران ، ثم حرس الحدود الباكستاني وحرس الحدود الإيراني، كل هذه الصنوف مجتمعة سيقتلونني لو قبضوا علي حتى لا أعترف ضدهم حال إعتقالي من قبل حرس الدولتين. بعد الظهر ومسير أكثر من ساعة صادفني بين جبلين شاب رث في ملابسه ووجهه المتجهم يتظاهر أنه معوق، كان جالسا على الطريق، ذهلت والله من هكذا مشهد مع أني نزعت الخوف ولبست ثوب القوي المتجبر. سألني بالفارسية أين ذاهب، أجبته أريد أن التحق بعائلتي لقد سبقوني بالجري... قال لم أر بشرا هنا منذ ساعات.. فقلت لا أنت ليست دقيقا ، إصبر سأبحث عنهم وسأخبرك (حديث المهزلة). تركته وأسرعت بخطاي وبعد ربع ساعة من الجري نزولا باتجاه الوادي فاجئني إثنان من حرس الحدود الإيرانيين كانا ينتظراني بحسب تفسيري للمشهد. كانت خطوات بيننا إلا أنني رجعت راكضا وصرت خلف الأشجار، وعدت من حيث أتيت بحالة أعجز الآن عن وصفها.. سوى أن الرعب الذي انتابني أنسياني ضربات قلبي المتلاحقة وكدت أن أموت نتيجة الصعود على الجبل خلف الصخور والشجيرات. وصلت ذاك الوحش المرعب بملابسه الرثة ولحيته الطويلة المتسخة فأبلغته بأن عائلتي تبحث عني وهي الان ضمن هذه المنطقة دعني أرى الأمر وسأخبرك أيضا مثلما أوعدتك أول مرة. العودة الى مدينة كويتة ليست بالسهلة أيضا تعني الموت أو السجن لكنها أقل خطرا من الدخول في متاهات الحدود الموحشة بين جبال إيران.
    حان وقت الغروب ولا أدري مصيري الذي هو على حد السيف صعودا أو هبوطا. مشيتُ طويلا ووحشة الطريق تلازمني حتى رأيت ضوءً لسيارة من بعيد، لا أعرف إن كانت لحراس الحدود الباكستانيين أم لعصابة تهريب المخدرات، أو أنني سألقى حتفي على يد جماعة متهورة لا دين لها. أما الثقافة قليس لها نصيب على تلك الحدود إلا ما رحم ربي. توقفت السيارة البيك آب وكان السائق ومعه شخصان. أديت السلام فصرخ بي السائق إصعد وهو يشير بيده على الخلف. قلت الحمد لله أني ما تكلمت لكي لا تُعرف هويتي. صعدتُ وغبار الرمل الأحمر غطى شعرَ رأسي وأغلق عيوني لكنني شعرت بالسعادة مع حذر وترقب. فلما وصلنا كويتة بعد مسير ساعات حسبتها جنة الميعاد. الى حلقة إحدى عشر قادمة.

      قاسم محمد الكفائي
     Twitter…………Qasim.ALkefaee.canada

    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media