(دروبُ الموت 12) عملية إختطافي داخل طهران
    الخميس 1 يوليو / تموز 2021 - 05:24
    قاسم محمد الكفائي
    لم يكتمل شهر نيسان من عام 1988 بعد، كان الوقت ظهرا أمشي على رصيف المشاة، تقاطع الشهيد مصطفى الخميني (جهار راه شهيد مصطفى خميني) يمكن لنا القول وسط طهران. وكان المارّة مزدحمين على نفس الرصيف. فجأة وقف أمامي رجل صوَّبَ عليَّ مسدسَه بيده اليمنى أما اليسرى فقد رفع بها طرف الجاكيت الذي يلبسه كي يخفي السلاح عن عيون المارّة ولا يراه غيري. الثلاثة الآخرون طوقوني من جميع الجهات بغير سلاح. أشار الرجل الذي يحمل المسدس برأسه على السيارة المتوقفة الى جانبنا على الشارع ومسك بيدي بصمت وقادني الى السيارة (بيكان - صنع في إيران) ففتح الآخر صندوق السيارة الخلفي وأمرني بالصعود كل شيء كان يجري بهدوء مطبق والناس بدأت تراقب المَشهد. صعدتُ بالصندوق وجلستُ مطويا بصعوبة لأنهم يحاولون إغلاق الصندوق فكان ظهري يصده ويمنعه من الإغلاق، وبعد المحاولات المتكرره غلقوه، فتحركت السيارة وأصبحتُ في وضع محرج يصعب عليَّ التنفس فمرة أضحك (شرّ البلية ما يضحك) ولا أبالي، ومرة أختنق ولا أجدُ مُتنفسَا كونَ الخلفي محكما لا يدخل له الهواء إلا قليلا جدا عندما تسير السيارة بسرعة، أما لو توقفت على التقاطعات أو بالإزدحام أحس بإزهاق الروح وعيوني تكاد تخرج من تحت الجفون. لهذا كنت أضحك على واقع الحال. بعد عشرين دقيقة توقفت السيارة وفتح (البرادران) الصندوق فأنزلوني بمنطقة فارغة نسبيا من البنايات والناس. أمروني أن أرفع يَدَي الإثنين وأضعهما على سقف السيارة ففعلت، بعدها قاموا بتفتيشي بدقة ثم أمروني بالصعود على المقغد الخلفي وجلسا إثنان معي بحيث صرت في الوسط. طلب أحدُهم مني أن أخفض رأسي للأسفل ففعلت وقام بوضع منشفة أو شيء آخر عليه حتى لا أرى تفاصيل الطريق حتى وصلنا سجنا كبيرا. نزلت من السيارة ورموني في زنزانة وجدت فيها شخص كردي فيلي سبق وإن تعرفت عليه في أوردوكاه كرج ،مرة يسمي نفسه فائز ومرة عبد الله، كذلك كردي بهديناني إسمه عبد الرحمن. الفيلي الأول عرفته بالضبط مدسوسا يعمل لهم ويريدون منه التنصت عليّ للتعرف على الأسرار(عقول زباله)، أما الثاني فكان طرطورا بمعنى الكلمة ومزعجا.
    قضينا تلك الليلة في زنزانة واحدة كان فائز يتحرش بي لسرقة ما تحت لساني حتى انقضت بسلام. في وقت الضحى نادوا علي وأخذوني الى مكتب لهم في نفس البناية لما دخلت وجدت الرجل نفسه الذي صوب علي مسدسة. سلمتُ عليه فردّ علي التحية بكل احترام. قال لي تعال نجلس على الأرض ففرحت بإسلوبة ولما جلسنا على السجادة وسط الغرفة أخذ يوجّه إلي عدت أسئلة وكنتُ أجيبه بصدق وشرف وثقة بالنفس. ولما إنتهى من التحقيق معي شكرته على خلقه وحسن سلوكه وبادرته بأن دوري جاء الآن للتحدث معك. أوضحت له بأني لا أريد الدفاع عن نفسي بل لأسأله... هل صحيح أنت ومن معك القيتم عليّ القبض، وهل تصرفكم بمنتصف الشارع بتلك الطريقة اللاإنسانية كان صحيحا ومهنيا؟
    أنتم يا أخي خسرتم بسببي بعضا من مواطنيكم لأنهم بكل تأكيد تعاطفوا معي وليست معكم، وما هي الضرورة لذلك السلوك الخاطىء وهل تأكدتم أني أستحقه، فلو أبلغتموني بواسطة عملائكم فلسوف أكون حاضرا عندكم بعد دقائق.
    طأطأ رأـسه بصيغة الرجل المحترم والمهذب يشهد الله وأخذ يضرب بالقلم الذي بيده كالسهم على السجادة... قال لي تفضل الى زنزانتك. عدتُ اليها وبعد ساعات أخرجوني أنا وعبد الرحمن، أما فائز أفندي على أساس أطلقوا سراحه في أول الصباح. كنت أعرف مسبقا ضابط مخابرات من أصل عراقي سبق وإن التقيته في الأوردكاه إسمه بحسب الظاهر (بناهي.. رجل راقي ورزين) أصعدنا الى الخلف بسيارته (البيكان.. صناعة إيرانية) ومعه آخر لم أره من قبل. بعد مسير ربع ساعة تقريبا إعتذرا بأنهما سينزلان الى المطعم للغداء. فتركانا داخل السيارة ونزلا. كانت هي خطة وإمتحان هل نستغل الظرف ونهرب الى جهة مجهولة أم نبقى حتى عودتهما.
    هذا الكردي عبد الرحمن بين الحين والاخر يريد أن يفتح الباب ويهرب ويلح علي أن أشاركه فعلته التي أرفضها ولم تكن منهاجا أعتمد عليه. ( ولك ما تمشي كاكه عقل البشّة أنته.. روح وخلصني آني هنا كاعد)، حتى عادا ولم يلحظا عليّ خطئا فأكملا مستائا من تصرفهما لأنه ليست مهني ولا علمي إذا ما تعرفوا على حقيقة قصتي وشخصيتي، فكل ما حسبته عنهما أنهما تلقا الأوامر من مؤسستهما وعملهما فاشلا غير مجدي. 
    المسير باتجاه مدينة كرج حيث مقر إقامة اللاجئين العراقيين(الأوردكاه). الى حلقة ثلاثة عشر قادمة.

    قاسم محمد الكفائي 
    Twitter…………Qasim.ALkefaee.canada

    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media