محطة رقم 8 الفرزة الرابعة عشرة
    الجمعة 3 سبتمبر / أيلول 2021 - 07:38
    عطا يوسف منصور
    وفي الشهر الأول/ كانون الثاني من العام الجديد 1964 تعود بيَ الشرطة مع مجموعة من الموقوفين الى الموقف المركزي العام للمثول أمام المحكمة العسكرية الثانية التي يرأسها شاكر مدحت السعود وفي هذه المَرّة انزلونا في موقف رقم 5 وعند دخولنا توجهتُ الى احدى الحِجَرِات وهي الثالثة على يسار الداخل من الباب الرئيسي وكان الموقف رقم 6 أفضل من ناحية السِعةِ والبناء فألقيتُ بيطغي الى جانب عمودٍ خشبيٍّ يسند السقف في وسط الحجرة ولا ادري مَنْ هو الذي ينام الى جانبي وبعد ساعة او اكثر جاء رجل ضئيل البُنية وقعد على اليَطغ الذي بجانبي فرحبتُ به ومرّ اليوم الاول واليوم الثاني وكلامنا كلامَ مجاملات ثم أخذتني الميانة في الليلة الثالثة فانفتحتُ معه اكثر في الحديث وقد شجعه كلامي فأخبرني باسمه وهو الفريد سمعان وبعد أن إطمأنّ لي اخبرني أنّه ضابط شيوعي وأنّه شاعر فزادني ميانةً أن اتحدث معه عن مواضيع الشعر وقد كانت عندي قصيدة غزليةً قرأتُها له فأعطاني بعض الملاحظات ثم قرأ لي قصيدةً من شعر التفعيلة عنوانها /عيد وحلوى وسكر / فأعجبتني وهو يقرأُها بصوت دافئٍ فطلبتُها منه وقد احتفظتُ بها زمنًا بعد خروجي من التوقيف الا انها ضاعت عند بيعي مكتبتي المتواضعة وذلك لسفري الى جيكوسلفاكيا عام 1971 .

    وفي بداية عام 1996 وانا مستطرق قريبًا من المسرح الوطني قرأتُ لوحةً مكتوب المحامي الفريد سمعان فانتابني الفضول بأن أتعرف عليه أهو صاحبي أم هو تشابه اسماء فدخلتُ العمارةَ وسألتُ حارسه هل المحامي الفريد سمعان موجود في مكتبه ؟ بأجابني بالايجاب فصعدتُ الى مكتبه وهو في الطابق الاول ودخلتُ عليه وسألتُهُ كي أطمئن أكثر وقلتُ له / هل انت الفريد سمعان الشاعر / فأجابني بالايجاب عندها تكلمنا براحتنا وتطرّقتُ الى ذكر قصيدته / عيد وحلوى وسكر / وذكرتُ له موضوع فصلي من غرفة تجارة الكوت وطلبتُ مساعدتَهُ بتوجيهي الى الجهة القانونية واتفقتُ معه ان أحضر عنده عصر اليوم التالي ومعي اوليات الدعوى وقد اهداني آخر قصيدةٍ نظمها وهي من شعر التفعيلة عنوانها / عازف القانون / وما زالت معي أحتفظ فيها مع قصائد لصديقَيِّ واستاذيّ خطاب العبيدي و عبد الوهاب الطيار .

    أتيتُ حسب الموعد في عصر اليوم التالي والتقيتُهُ في المكتب وكان معي كتاب صادر عن دار التراث العراقية عنوانه على ما اتذكر / المتنبي شاعر تتوهج قصائده فرسانًا / ومعه قصيدة لي سباعية الابيات أهديتهما اليه وقدمتُ له أوليات الدعوى فقرأ شيءً منها ووضعها في دُرجه ولم يتكلم بخصوصها ثم غادرتُ مكتبه الى أن سمعتُ أنّه اصبح سكرتيرًا لاتحاد الشعراء والادباء العراقيين الذي يرأسه الكادر الشيوعي فاضل ثامر مدرس اللغة الإنكليزية في الكوت ايام الزعيم ثم قرأتُ نعي الشاعر سمعان على الفيسبوك في شباط هذا العام 2021.

    بقيتُ ومجموعتي بحدود اسبوعين ثم اعادونا الى سجن الكوت بسيارة الشرطة المشبكة المُسمّات بسيارة أم الزرازير بعد تأجيل محاكمتنا وكان عِبْرَ جسر ديالى الحديدي ذي الممر الواحد وهو الوحيد الرابط محافظات الوسط والجنوب الواقعة على دجلة ببغداد وعلى طريقه يقع معسكر الرشيد وعند وصولنا الى باب المعسكر شاهدتُ زميلي البعثي عادل خليفه الذي كثيرًا ما تناقشتُ معه عن فكر البعث ومؤسسه العميل الغربي ميشيل عفلق شاه فيقابلني بردّه وبروح رياضية عن عمالة الشيوعيين وما فعلوه ايام مدّهم وينتهي نقاشنا بقرع الجرس للدخول الى الصفوف الا ان هذا لم يؤثر على زمالتنا الى يوم الانقلاب وصلنا باب المعسكر الخارجي واذا بزميلي عادل خليفه مع اثنين وهم بالملابس العسكرية فسلمتُ علية وردّ السلام وكان هذا آخر العهد به وقد سألتُ عنه بعد سقوط الطاغية فقالوا قد زار الكوت حنينًا لأيامها الماضيات في 2004 وله أخ زاملنا اسمه عدنان يصغره سنًّا تخرج مهندسًا لا علم لي به وابوهما كان موظفًا ويسكنون في عكد الذهب.

    وما اريدُ قوله هو أنّ الاختلافَ بالرأي لا يُفسدُ للودِّ قضيةً اذا كانت العقول متحررةً من صناديقها الحديدية وفي خلال هذه الفترة التي اصبح الحكم قوميًّا عارفيًّا زاراني في السجن عمّاي الحاج نوري وعبود ثم تكررت الزيارة ثلاث مرّات في اوقات العصر فاستغلها بعض المتلبسين بجلباب الشيوعية من المخبرين ليتهموني  بنقل الاخبار الى الادارة عن الموقوفين والان اقولها للتأريخ كنتُ في هذه الزيارات كنتُ أناقش مدير السجن أبا سعد الحديثي عن الطعام وقلّته ورداءته وكنتُ ارى علامات الاحراجَ في وجهَيْهما.

    الدنمارك / كوبنهاجن                                                              الجمعة في 4 أيلول 2021

    الحاج عطا الحاج يوسف منصور  

    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media