(دروبُ الموت 14) من مشهد الى زاهدان والباكستان
    الجمعة 2 يوليو / تموز 2021 - 05:08
    قاسم محمد الكفائي
    الطريق الذي سلكناه من طهران الى مشهد عاصمة إقليم خراسان لم يكن معبدا بالأمان والحرية على الإطلاق وإنما كانت هناك معوقات أهمها هو التفتيش الدقيق على طول الطريق فكانت الخطورة تلازم رحلتنا. في صباح اليوم التالي تحركنا الى كراج النقل وركبنا الحافلة باتجاه زاهدان وكان أشد وأكثر تعقيدا من الطريق الذي سلكناه ما بين طهران ومشهد بسبب أن طريق سيستان بلوشستان هو على الحدود أي منطقة محضورة على العراقيين وقليلا الإيرانيين، فالمعاذير التي يقدمها الراكب عن سبب تواجده هناك قد لا تنجح وغير مقنعة حين محاسبتة من قبل السيطرات على طول الطريق. إتفقتُ مع رفقائي بأن العذر في وجهتنا صوب ميناء ميرجاوه لغرض البحث عن فرصة عمل هناك. في ذاكرتي أن الحرس في إحدى السيطرات طلبوا هوية ماجد ولما قرؤوها أعادوها اليه دون أي اعتراض. وصلنا مدينة زاهدان الحدودية التي هي بمثابة جهنم في وضعها الأمني وتمشينا في سوقها، واشترينا ملابس من طراز أولائك القوم البلوش. بعدها ذهبت الى بيت شخص بلوشي تعرفت عليه في رحلتي الأولى، دخلنا الدار ولم نجده غير أن أخاه  الأصغر إسمه عزيز رحب بنا على الطريقة البلوشية المقرفة على الرغم من أن عزيز في قمة الخلق لكن حياته وثقافته أدنى من السذاجة. مكثنا في بيته ثلاثة أيام سويا ذقنا مرارة الجوع داخل الدارمنتظرين عودة أخاه الأكبر الذي عبر الحدود الى الباكستان. إتفقت مع عزيز أن نتوكل وننطلق وهو معنا وسأعطيه مبلغا حال بلوغنا مدينة كويته التي تبعد عنا أكثر من 300 كم، والمسافة ما بين زاهدان وحتى اجتيازنا الوديان والجبال تبعد من ثلاثين الى أربعين-كم- بعدها نكون قد بلغنا الصحراء المفتوحة باتجاه مدينة كويته. بحسب ذاكرتي رصد عزيز لنا شخصا يعرفه لمرافقتنا. كان خالد معوِقا لنا في الطريق كونه بدين الجسم لا يستطيع الجري كما يجب، وملابسه كانت ذا اللون الأبيض فهي مكشوفة حتى في الظلام. لكن خالد كان شهما علينا حين يقول (لو صادفك أي مكروه اتركني واهرب بجلدك، كان نقيضا لماجد الذي يتسم بالجبن وقلب أضغف من قلب الدجاجة).
    حين وصلنا صباحا سلسلة الجبال ومشينا في العمق التقينا عزيز هناك الذي وصل وانتظرنا على طريقته. إتفقنا أن يذهب عزيز ليجلب لنا سيارة تأخذنا الى مدينة كويته. ذهب وبعد ساعات جائنا ومعه صبي يعرفه ومعه سيارة بيك آب. أنا فورا رفضت الفكرة لعدم ثقتي بهذا السائق وقدرته على إنجاز المهمة. الجميع وقف ضدي حتى ركنت الى رغبتهم، لكنني أوعدتهم بحدوث مصيبة كبرى تحل بنا بسبب هذا الصبي لقد قرأته جيدا أنه يعمل بالتنسيق مع شرطة الحدود الباكستانية كونه صبي ذكي ليست عليه شك ولا ريبة في تعامله مع جميع صنوف البشر التي تمر من هناك، أي أنه وسيلة الى المصيدة. صعدنا معه جميعا إلا أن الرجل الذي قادنا دليلا في رحلتنا من زاهدان الى ما وراء الجبال قد عاد الى بيته. صعد الطريق الرملي وكانت وجهتنا مدينة كويتة عاصمة إقليم بلوشستان حيث مكتب الأمم المتحدة هناك يستقبل اللاجئين وليس بالضرورة قبولهم، لكن الورقة التي يمنحها كانت تقينا من مسائلات وتطبيق قوانين الحكومة الباكستانية. لم تمض على رحلتنا أكثر من نصف ساعة حتى اعترضتنا دورية شرطة الحدود وأوقفتنا وطالبونا بتقديم الهويات واخبرناهم بأننا عراقيين نبحث عن لجوء. فتشونا فلم يجدوا معنا مالا مُغريا لهم كي يسلبوه منا، أخذ ماجد يبكي بعمق ويتوسل بالشرطة حتى خجلنا من تصرفه أنا وخالد. ساقونا جميعا الى مدينة -نوشكي- ثم بهاء الدين أو بالعكس لا أتذكر. حبسونا هناك أما عزيز فأطلقوا سراحه كونه بلوشي مسموح له دخول المنطقة، كذلك تبين أن الضابط الكبير صديق لأخيه أو أحد أقربائه، لكنه عجز عن مساعدتنا بإطلاق سراحنا كون أسمائنا وصلت الى المسؤولين في كويته. بعد المعاناة أياما في السجن القبيح المتخلف نقلونا الى سجن مدينة كويته المركزي وهناك بقينا ستة أشهر معتقلين، إلا أن مكتب الأمم المتحدة منحنا اللجوء السياسي وأُطلق سراحُنا. 
    في داخل هذا المعتقل التقيتُ بسجين إيراني إسمه حميد شيرازي( سباه باسداران- حراس الثورة) مضى على اعتقاله قبل وصولنا أكثر من عام. هذا حميد ومعه آخر من قوم البلوش كانا مكلفَين بمهمة داخل مدينة كويته، بينما هم في الفندق إنفجرت القنبلة اليدوية التي كانت معهما ( هكذا سمعتها من السجين العراقي عقيل، أعتقد هناك خسائر). تم اعتقالهما في هذا السجن لكن موظفو القنصلية لم يتركوهم أبدا بل يزورونهما كل أسبوع مع الإهتمام بمأكلهم ومشربهم. حميد (ربع شيطان) ومخلص الى وطنه لأن مكتب الأمم المتحدة يعرض عليه اللجوء في أمريكا أوالغرب بامتيازات لكنه يرفض تماما، (موقف وطني رائع).
    دعوني أذكر لكم جزءً من هويتي وهي (السر) في الضمير لم أذكر هذا الأمر لأكثر من ثلاثة عقود حتى يومنا هذا. في الحلقة السابقة ذكرتُ لكم بأني قد اشتريتُ سكك الذهب وعددهم 17 من مدينة طهران وكانوا بحوزتي حين عبرتُ الحدود من إيران صوب الباكستان كنتُ أحسبهم بمثابة 17 عقربا مخبئين في حزامي يشهد الله وهو أحكم الحاكمين. أفكر بين الحين والحين كيف أعمل لإسترجاع هذه السكك الى الجمهورية الإسلامية فهي بحاجة الى القرش في ذلك الزمن العصيب، زمن الحرب المفروضة عليها. كنت أخجل من الإمام الخميني دون أن أراه أو يراني. المسألة هنا تتعلق بالضمير وليس الخوف والتسلط. أنا لم أخف ولم أخش مؤسسة صدام حسين الأمنية فكيف أخشى من هو بعيد عني وقد سبقته بذكائي حين كنت تحت وطأة مؤسسته الأمنية ضعيفا. كانوا معنا عراقيين سجناء منهم عقيل عيدان (كردي فيلي الآن في بريطانيا). كشفتُ له أمري بأن عندي سكة ذهب واحدة جلبتها معي من إيران والآن أروم إعادتها الى الجمهورية الإسلامية مقابل تسليمي قيمتها لأنها سكه إيرانية، فلن أسمح لنفسي بالتصرف بها بهذه الطريقة وضميري يأنبني حتى إعادتها، فلو أمكن لك التحدث مع حميد شيرازي بشأنها كي يأخذها ويعطيني ثمنها. فذهب اليه وهو يعيش معنا في نفس القاعة، وحين أخبره رحّب وقال سأجلب لكم ثمنها حال توفره خلال أسبوع واحد. أنا شخصيا أعرف بالضبط كيف ستُدار الأمور، بمن سيتصل ومن الذي سيدفع ثمنها، فلا يضيرني التفسيرات سوى إعادة سكة الذهب الى مصدرها الشرعي وحين اتفقنا سلمته السكة على أساس كل ما أملكه، لكنني كنت أختبر المقابل لأسلمه الباقيات على مراحل. إنتظرنا أياما وأسابيع حميد كاد أن ينكر علينا السكة حين ادّعى أنها قد فُقدت، لكن عقيل الذي تربطه علاقة جيدة معه وقف متشددا، رافضا لسلوكه حتى إني أخبرت عقيل أن الذي يجري هو بتوجيه موظفي القنصلية ولما أفشى عقيل ما أخبرته به الى حميد شيرازي حصلنا بعد أيام على ثمن السكة. هنا عرضتُ لكم شيئا من ضميري العراقي وقد يكون ضمير الغشيم أو الجبان...دعوها لله.
    الى حلقة خمسة عشر قادمة.

    قاسم محمد الكفائي
     Twitter…………Qasim.ALkefaee.canada

    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media