محطة رقم 9 الفرزة الخامسة
    الأربعاء 15 ديسمبر / كانون الأول 2021 - 22:24
    عطا يوسف منصور
    ذهبتُ مستبشرًا في اليوم التالي لإدارة المدرسة وكان كاتبا المدرسة هما محمد الملقب بأبي سُـليك وإبراهيم وهو من أهل العزة موجودين فأمليتُ اسـتمارة التـقديم وحددتُ أولوياتي بالاسـتمارة وهي كلية التربية وكلية الآداب ثم كلية الحقوق وبعدهنّ تأتي الأُخريات وسلمتُهما الاستمارة فطالباني بشهادة عـدم المحكومية فذهبتُ الى مركز شرطة الكوت فوجدتُ الشرطي كاظم والد جواد أبو العوجه/ وكان في عكد الاكراد ثم انتقل قريبًا من دارنا في بداية السبعينات في دار المجبرجي زغير الذي سُــفّر وعائـلته في أول دفعة لتـسـفير العراقيين لإيران مع مصادرة البيت ودكّانين كانا في المـشروع/ والشرطي كاظم مختص بأخذ بصمات الأصابع/ وسـبق أن أخذ  بصمات أصابعي عـند صدور قرار المحكمة العسكرية / أخـذ بـصمات أصابعي وزودني بكـتاب موقع من مـدير شرطة الكوت آن ذاك/عدنان أبو زهير/ وعُـدتُ الى المـدرسـة وتـسـلمها إبراهيم مني باعـتـبار أن الطلب تحت المعاملة لحين صدور شهادة عـدم المحكومية الاصلية من دائرة الـتحقـيقات الجنائية وهـذا إجـراء معـمـول به لتمشية المعاملات وهو لا يؤثر على تقـديم طلبي للجامعة وفي أثـناء عـودتي خطر على بالي خـاطرٌ ولـيته لم يخطر فـبه كانت الخَـطـوة الأولى لضياع حـلمي وإصابة دراسـتي الجامعية بـمَـقـتَـل.  

    والخاطر هو أن أسـتعجل بالحصول على شـهادة عـدم المحكومية قـبل أن تـأتي الـنـتـيجة من دائـرة التحقيقات الجنائية في بغـداد وهـذا إجراء يُعـمـلُ به عـنـد الاطمئـنان الى الـشـخص وبوسـاطة أبي سـعـد الحـديـثي مـدير سجن الكوت وبطلب من عمي الحاج نوري اتصل أبو سـعـد بمدير شـرطة الكوت/عـدنان أبو زهير وعُـدتُ الى مركز الشرطة مبتهجًا وبوجهي الى الشرطي كاظم فأعطاني شهادة عدم المحكومية بعـدد وهـمي لم يـدخل الى السجل العام لكن بتأريخ ذلك اليوم وجاء في نَـص الـقانون الذي يُجـيـزُ منح شـهادة عـدم المحكومية ما نَـصّهُ/ لا تُمنح شهادة عدم المحكومية لِمَن ارتَـكَـبَ جنايةً أو جُـنحةً مُخِلّةً بالشرف/ يا سلام هذا قانون محترم لا يشمل المحكومين سياسيًّا/ فـتسلمتُ النسخة الاصلية من شهادة عدم المحكومية وعُـدتُ على وجه السرعة بدراجتي الهوائية الى المدرسة فوجدتُ كاتبيّها وسَـلّمتُهما الـشهادة الاصلية وسحبتُ كتاب تحت المعاملة إنها نشوة ويا لها من نشوة قد غمرتني ساعتها فقـد أتممتُ أوراقي ولم يَبقَ الا انتظار إعلان نـتائج القبول في احدى الكليات التي درجتُ أسماءها والامر محسوم وهذا هو ما أصبو اليه.    

    مـرّ على تقـديم الطلب أسبوعان أو أكثر فسافرتُ الى بغداد أترقب موضوع فرز الاستمارات وتوزيع المقبولين على الكُلّيات وكان محـط رحالي كالعـادة بـبـيت خالتي حيث ملتقاي بصديقيّ الطفولة ابني خالتي الحاج نصرت ومحمد وبعـد يومين أو ثلاثة وعند العصر جاءني ابن عـمي سـامي حاملًا رسالةً شفهيةً من عمي عبود يطلب فيها مني سحب شهادة عدم المحكومية لكوني محكوم فكان جوابي أن ينتظر لحين فرز الاستمارات والموضوع لا يتطلب الخوف لأن شهادة عـدم المحكومية لم تـدخل السجل في مركز الشرطة لأن عـددها وهـمي، ولكن بعد يومين يعـود لي برسالة تهديد ووعيد من عمي عبود على لسان مدير شرطة الكوت/ عدنان أبو زهير/ وأتذكر أن مدير الشرطة عدنان حكى سـبب تسـمية ابنه زهير فقال: كان لي موقف مع طاهر يحيى/ والموقف مؤلم له إلا أنه لم يتحدث عنه ثم قال وعندما صار لي ابنٌ أسمّـيتُهُ بزهير حتى لا أنسى طاهر يحيى الملقب بأبي زهير/ سـمعتُ القول فاسـتغـربتُ عـنـد سـماعي له / تَـذكرتُ ذلك وحتى لا أضع مَـنْ سـاعـدني في موقـفٍ مُحـرجٍ قـد يتطور الى مشكلةٍ لا تقبلها أخلاقي/ فقـلتُ في نفسي احسب هذه السنة كالسابقتين اللتين ذهبتا. 

    أخبرتُ سامي بأنّـي أسحبها غـدًا وأُسَـلّمها بنفسي لكنّهُ أصرّ على أن يأخذها بـيـده حسب التوصية وفي صباح اليوم التالي ذهبتُ لدائرة التسجيل العامة للطلبة وقابلتُ مديرها العام وهو أخو أبي قـبس مدير الـمال أو مـديـرالخـزينة في محافظة الكوت وشرحتُ له الموضوع فأوضح لي شـيئين/ في حالة سـحـبي لملفي سـيسقط حـقي في هـذه الـسنة وإذا أمْكنَ لي أن أنتظر فبحدود عـشرة أيام سـيتم توزيع مَـلَـفّـات الطُلاب وبإمكاني سحبها من الفايل فقررتُ سـحب فايلي لأن الوضع لا يستحمل الانتظار وبي حسرةٌ وألـمٌ/ سحـبتُها من مَلَـفّي وحَكمت على حُـلمي بإكمال الدراسة بالإعدام وقد سلمتُها لإبن عـمي عـند الظهر حيث عـاد بها للكوت وودّعـتُ العـام الثالث من عُـمُـري بين التوقيف وشهادة عدم المحكومية.  

    لأدري مَنْ أُحَـمِّـلُ هذا/ هل كان السبب اسـتعجالي الذي لا موجب له أم الـسبب هو الشرطي كاظـم الذي نَـســيَ موضـوعي السابق كي يُـنبهـني وأخـبرني بعـد مُـدّةٍ أنّـه نـسي مـوضـوعي أم يـتحـمله مـدير الـشرطة عـدنان  أبو زهـير الذي كان بإمكانه التغـاضي على الموضوع ما شاء أن يـتـغاضى من الوقـت.

    وذكـر لي الحاج نصرت أنّه طرح موضوعي وما حصل بـشأن عـدم المحكومية على أحـد أصدقائه وهو العـقيد أديب الجميلي وكان جوابه/هذا شيعي جبان/كل هـذه تساؤلات، ولكن يبقى ألأهم هو النَصُّ القانوني الذي تحدد بعدم منح شهادة عدم المحكومية الى الشخص المحكوم عليه بجناية أو جُـنحةٍ مُخِـلّةِ بالـشرف. 

    ولا أدري ما عـلاقة الجـناية أو الجُـنحة المخلة بالشرف بالمحكوم سياسيًا وما هو الشرف عند الدولة وما يعني انها عبارة تؤولها الدولة حسب مشيئتها فـتُـقـرأ بوجهـين حسب مزاج السلطة التنفيذية.  

    وكُنتُ أعلم أنّ هناك من السياسيين مَنْ أكمل دراسـتَهُ بداخل الـسجن إنّها تساؤلات أتركُ جوابها الى القارئ. بعـد هذا حـدثـتـني نفـسي وليتها لم تُـحـدّثـني أنْ أُفـاتح أخي نافـع الـذي كـنتُ مراسـله الحـزبي والمُخـاطر من أجله لـيُـساعـدني بالحصول على كرسي دراسي في جيكوسلفاكيا وقـد عَـلِـمَ بموضوعي من طـقـطق الى سـلام عـليكم فأجابني/أنّ الـتـقديم في هذا العام الدراسي قد انتهى أي عام 1964/1965 ووعـدني بـتـقـديم طلبي في السنة القادمة 1965/ 1966 وفاتـت السـنةُ وعبرتُها فوعدني على عام 1966/ 1967 وفـاتـت وعبرتها أيضًا ثم وعدني على عام 1967/1968 وهنا قـرأتُ ما في نفـس أخي نافـع وهـو كما يقـول المَـثَـلُ الدارج / أوعدك بالوعـد واسـقيك يا كمون/ وهذا ما لم أتوقعه منه وهو أقـرب الناس لي ومواقفي لا يُـمْكِـن أن يـنسـاها فأضاع عـليَّ بوعـوده فرصة التقـديم للكليات العراقية وفـرصةَ امكان إعـادة الامـتحان وتعـديل درجات بعض الـدروس حـسب الـقانون المصري المطـبق بالعراق والاهـم هـو ضياع ثلاث سـنوات من عُمُري لا تُعوض ولن تعودَ أبدًا
    أضاعها مني أخي نافع وهو الذي أسـماه والدنا بنافع الذي لم أجـد له معي موقـفًا واحـدًا نافـعًا.   

    مما اضطرني أن اكتب له رسالةً أعربتُ فيها عما في نفـسي وغـلقتُ ملفّي معه فاشـتكاني برسـالة الى والـدي فتحزب له مَنْ تحزب من أهلي فجابهتُهم بالحقيقة وأسـكتُهم وسأكمل حديثي عنه عـند سـفري له عام 1971. 

    وقد تذكرتُ قول الشاعر العربي وهو يقول في أخيه: 
    أراه أخي لم تكن لي حاجةٌ ..... فـإن عَـرضتْ أيقـنتُ لا أخٌ لـيا فالشاعر يقول عن أخيه/ انّ أخي لا يعرفني عند طلبي الحاجة منه ويعرفني اذا لم تكنْ لي حاجة عندهُ.أمّـا اخي نافع فهو نوع أخر في أخوته وإنّ قولي فيه: يراني أخاهُ حين يسألُ حاجةً ..... فإنْ قُضيتْ ما عاد يسألُ عَـنّـيا
    وبعـد أن يـئستُ منه توجهـتُ خلال تلك الفترة الى جهـتيـن الأولى وهي الـبحـث عـن وظـيفة وكانت محصورة في دائرة مجلس الخدمة العامة وهي في بغداد والأخرى هي التقديم الى الكليات الاهلية ولا يوجد غير الجامعة المـستـنصرية في ذلك الوقت أو التوجه للـسفارات العـربية وكانت مصـر هـدفي ولَـمّا كان الوضع المالي لأبي تحت الصفر فضلّتُ أن أقدم طلبي الى المُستنصرية للعام الدراسي 1967/1968./ وعـلى عـين الـيـتـيمة غاب القـمر/ كما يقـولُ مـثـلنا الـدارج حيث لم يَـتم قـبول طـلبي وتحـدد القـبول بالطلاب الناجحين بـنـفـس السـنة وبالتي سَــبَـقَـتْها أي 1966 / 1967 وبهذه الحالة انتهى الأمل بالـخـيـبةِ. 

    ولم يَـبقَ عـليَّ إلّا أن أتـوجه الـى خالي عـبـد الامـير لأطرح عـليه موضوع دعـمي مـاديًّـا لإكـمال دراسـتي في مِـصـر وهـو الذي احتضننا من نعومة أظـافرنا وهـو الذي يَـمـدّ نـافع بالـتحويلات المالية فـتـوجـهتُ الى مكتـبه وكان الوقـتُ عـصرًا فوجـدتُـه عـلى باب المكتب عـازمًا عـلى الخـروج فـطـرحـتُ موضـوعي عـليه فـكان بـيـنَ بـيـنٍ بمعنى أنّـه مـترددٌ حتى تـدخل أحـد المُـستأجرين الـساكنين في إحدى شـقق عمارته المقام خلفها مـسكنه  والواقع بـشارع النضال وبـتـدخل المُـستأجر لصالحي يوافـق خالي على مُـساعـدتي بشـرط استحصال موافـقة الـسفارة المصرية
    فـذهـبتُ في الـيوم الـتالي وأخرجتُ وثـيقـةً جـديـدة وخلال أيام أتـمـمتُ ما مطلوب وأوصلتُ الخبر اليه عن طريـق خالـتي لكون خالي يُـفضل الـنـزول والمبيت عـنـدها في قـدومه الى الكوت لـقـضاء بعض أعـماله وبـعـد أيـام أبـلـغـتـني والـدتي أن خـالي سـحـب تـعـهـده وغـير رأيـه فاسـتـغـربـتُ لذلك ولأنـي لا أتـرك الموضوع دون أن أعرف الـسبب والمُـسبب فألححـتُ عليها حتى أخبرتني وقالتْ لي نقلًا عن خالتي: أن عمي 
    عـبود أخبـر خالي أني سـأكون كأخي نـافع/ أضع بنتًا عن يـميني وأخرى عن يساري/ وهذا نص ما قالته أمّي نقلا عن خالتي فقلتُ لأمّي: وأين رأى عمي هـذه الصورة عـن نافع فقالت: لا أدري/ فـقارنتُ بين موقف عمي الـذي فعـلها سابقًا معي ومع نافع وسـعـيد وذلك بترســيبنا في الرابع والخامـس الابـتدائي وبين موقـف الرجل الغريب الـذي وقـف الى جانبي في لقائي الأول مع خالي بـباب مكـتبه وتـذكرتُ قـصة هـابـيل وقابـيـل بالـقـران المجيد التي لَمَـستُ حقيقـتَها تَـتَجـسّـم بأخي وعـمي والقـتـلُ نوعان الأول وهو قـتـل الجـسـد وأمّـا الآخـر وهو الاقـسى قـتل المعـنوية لدى الشخص المعني وتـحـطيم نـفـسـيـتهِ.  

    الدنمارك / كوبنهاجن                                                        الأربعاء في 8 / كانون أول / 2021 
    الحاج عطا الحاج يوسف منصور 
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media