(دروب الموت 20) الجاسوسية المزيفة
    الخميس 2 سبتمبر / أيلول 2021 - 05:42
    قاسم محمد الكفائي
    المقدمة.. (إعادة) 
    بدوافع الفائدة من دروس الحياة، عِبرِها وعبراتِها، أتمنى على أخي القارىء الكريم أن يتابع حلقاتنا "دروبُ الموت" إبتداءً من الحلقة الأولى ولو اقتضى أن يطالعها في كل يوم حلقة، عندها تكتمل الصورة وتتغير النظرة ويتغير واقعُ التحليل كي أترفعُ عن أية شبهة قد تخطر على بال المتابعين قرّاء أو متخصصين. يا ليتني لم أوجز ولم أخفِ قصصا وحوادثَ نادرة كنت قد تعرَّضت لها. فالواقعُ الذي يحيط بي يلزمني مكرها أن أكون ذا حكمة وعقلانية بإفراط حين يجردني مشاعري ونزواتي أنا الإنسان الذي ُظلم ولم يجد له نصيرا وسط زحام النفاق، واللصوصية، والترهل بالألتزام الديني والسياسي المُنحرف . فما يظهر على هذا المنبر المحترم أنه لم يألو جهدا بإنسيابية النشر والإبداع فيه، علينا أن نحرصَ على نعمةٍ صارت بين أيدينا ونصونَ أهدافَها. إنتهت. 
    ذكرتُ في العديد من حلقاتنا "دروبُ الموت" قصصا كنت قد عشتها في دولة الباكستان التي أعتبرها حلبة صراع المخابرات الدولية وتصفية حساباتِها على مستوى الدول والأفراد والمذاهب والطوائف وكل أشكال الصراع. الحكومة مجتمعة أو على انفراد من الوزراء كلٌّ له ارتباطه بجهة ما ليقدم لها ما تيسر من معلومة أو تسهيلات مقابل المال الوفير. في هذا المناخ كانت السفارة العراقية في إسلام آباد لها الدور الكبير والمؤثر على مستوى العديد من القضايا التي تعيشها الباكستان من تجاذبات وانفراجات. فكان جل اهتمامها مثلا تحجيم الدور الأيراني في شبه القارة الهندية مع تقديم الدعم السخي لمعارضي الجمهورية الإسلامية في إيران في دولة الباكستان بغرض ضرب الإقتصاد أو القيام بعمليات اغتيال وتفجير وغيرها الكثير، أوتصفية معارضي نظام صدام حسين في الباكستان والهند. فكان هذا الدور مؤثرا عندما كان العراق بمقدمة دول المنطقة في السياسة والعسكر، أي ما قبل احتلالهِ الكويت. إن طبيعة العمل المخابراتي الذي تمارسه السفارة العراقية في إسلام آباد والقنصلية في كراجي لم يكن عملا يتقن العلمية المحضة ويصون ضوابطها فهو يعتمد على الظرف الخارجي الذي يحيطه في تلك الممارسة دون أن يتقيد بالقواعد المتينة التي يرتكز عليها العمل المنضبط. فكلما أحس بالإستقواء بحلفائه واستغفال الدول الإستكبار كلما تصاعدت معنوياته التي تؤثر على رفع منسوب فعالياته ضد خصومه. لهذا فقد وقعت الغالبية العظمى من اصحاب الكفاءة، محللين ومتابعين وسياسيين عراقيين وعرب وعالميين في وحل خطئها من أن عمل المخابرات العراقية في زمن صدام حسين هو عمل صحيح ومتقن ويرقى الى العالمية. إن أخطر ما كان يتميز به عمل جهاز صدام هو الإنفعالية في الأداء وهذه الآفة نجدها وما زالت في عمل أجهزة الكثير من دولنا الشرق أوسطية وبالخصوص العربية منها. أهم دليل على ما تقدمنا به هو عملية إغتيال وذبح المعارضَين الشهيدَين سامي عبد المهدي ونعمة مهدي محمد في كراجي عام 1987 والتمثيل بجسديهما بعد قطع رأسيهما وأصابع اليدين وإخفائهما في أحد غابات منطقة كلفتن. لقد أشار الرئيس الباكستاني ضياء الحق بأنه يعرف القاتل لكن الألتزامات التي تتبناها حكومته وللظروف الخاصة تجعل القيام بعمل ما صعب وعسير. بعدها بأشهر وصلتُ أنا الى الباكستان ووقعت في فخ تلك العصابة التي قتلت الشهيدين وتخلصت من عدت محاولات تستهدف قتلي أو اختطافي (لطفا مراحعة حلقاتنا دروبُ الموت). مقابل هذا اللون من العمل الخطير والأهوج يبقى عمل جهاز المخابرات في دول أوروبا وأمريكا وكندا منضبطا باتقان، صحيحا، ينسجم في وسيلته والطموح مع الظروف الموضوعية التي تحيط بجهاز الإغتيال والضحية. كنتُ في ذلك المناخ من المرشَحين للإختطاف وكل أشكال القتل وقد حاولوا في عدت مواقع مع شيىء من الحذر واجتناب الفضيحة لكنني بفضل الله تخلصت منهم حتى سقط النظام الى غير رجعة. فمن قصص الموت التي واجهتها في الباكستان هو محاولة تسقيطي أو توريطي بأمور ليس لي فيها من صلة سوى أنها وسيلة لضربي تحت الحزام بعد إن يأسوا من ملاحقتي بأسلوب الإختطاف أو القتل بإسلوبٍ ناعم يودي بترحيلي الى العراق أو قتلي نهائيا ودفني في الباكستان مقطع الأوصال كما فعلوها مع الشهيدين المذكورين إلا أنهم فشلوا.
    ومن خصائص عمل الإغتيال لدى المخابرات الدولية أنها إذا فشلت بمحاولات القتل المتعمَّد أو تريد أن تمهد لعملية الإغتيال تقوم بالتشهير والتسقيط بما أوتوا من قوة لضرب شخصية الضحية بين الناس كي تتساقط أوراقه أو تتكسر أجنحته ليكون عرضة لأي طاريء ولم يسأل عنه أحدا. واجهتُ هذا اللون من الإغتيال كآخر محاولات السفارة العراقية لاقتناصي أو ضربي تحت الحزام حينها لجأت في الباكستان لمعرفة جماعة تدَّعي أنها إسلامية بينما عموم المسلمين يكفرونها. عاصمتهم الدينية تبعد عن إسلام آباد مسير 5 ساعات تقريبا ، تقع على نهر "جنيوت" ما بين مدينتي سركودها وفيصل آباد. فكنت أذهب هناك لأجد الأمان والخدمات من منام ومأكل ومشرب بعنوان العلاقة الطيبة مع رموزهم ومحاولات البحث العلمي في فكر هذه الجماعة. كنتُ أحظى باهتمام أساتذة الجامعة الأحمدية وبعض شخصياتهم على مستوى الباكستان حتى وصلتُ بعلاقتي الى قمة هرم الجماعة، الخليفة الرابع الميرزا طاهر أحمد "توفي"الذي يعيش في لندن وكانت بيننا مراسلات(أحتفظ ببعضها). كنتُ أمكثُ في دار ضيافتهم إسبوعا أو شهرا، ثم  أغادر الى إسلام آباد وأعود مرة أخرى وهكذا بقيت لعامين أو ثلاقة حتى مغادرتي الباكستان (لهم عليّ الفضل الكبير لكن الذي يتحرش بنبي الله محمد بن عبد الله "ص" ليس له عندي قيمة تُذكر). تأسست هذه الجماعة في الهند في مدينة قاديان على يد القاضي الشرعي في محكمة سيالكوت في البنجاب إسمه الميرزا غلام أحمد قاديان في الربع الأخير من القرن الثامن عشر (كما أتذكر) في ظروف كانت فيها بريطانيا العظمى قد جهزت جيشها واحتلت الهند واستولت على مقدراته. أهم ما ترتكز عليه هذه الجماعة من قواعد في الفكر والعقيدة هو أن محمد –ص- رسول الله حقا ولكنه ليست خاتم النبيين، أما عيسى –ع- فقد مات.
    تسمي نفسها الأحمدية نسبة الى مؤسسها غلام أحمد، أما عموم المسلمين فيسمونها قاديانية نسبة الى مدينة قاديان بغرض جعلها حركة مناطقية. فكانت نشأتها في مجتمع متخلف، ينهشه الفقر حفاة عراة. لقد نجح الميرزا باجتذاب الكثير منهم حين ساعدهم برغيف خبز أو جرعة دواء حين وقف الى جانب المملكة البريطانية ودعمته، فترعرعوا حتى احتل أحفادهم مواقع عالمية متقدمة، وصاروا رواد علم (على نار هادئة.) أمثال ظفر الله خان كان أول وزير خارجية في الباكستان، ثم تولى منصب رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة (في عهده ولدت دولة إسرائيل)، وقاضي في محكمة العدل الدولية. أما محمد عبد السلام فهو أول مسلم (كما يصفونه) الذي حاز على جائزة نوبل للسلام في الفيزياء عام 1974(إلتقيته يوما في إسلام آباد). على العموم تحظى هذه الجماعة في سكون الليل باهتمام جميع دول الغرب وأمريكا واستراليا، أما كندا فتحتل الصدارة وتسميهم "المسلمون المعتدلون". وسط هذه الجماعة، في مدينة ربوة كنتُ بعيدا عن مصدر الخطر، وكنت أحظى بالرعاية. ولكن حذري لن يفارقني في حركتي وسكوني لمعرفتي بعنجهية المؤسسة الأمنية التي يقودها علي حسن المجيد وفاضل البراق وكنت في حينها المطلوب رقم واحد (لطفا متابعة حلقات دروب الموت ذا أهمية مع أني أخفيت أكثر مما كتبت بأضعاف). ذات يوم كنتُ قد خرجت صباحا من غرفتي في دار الضيافة صادفني في باحة مكاتب المؤسسة واحدٌ من الأساتذة فسلم علي وعانقني مبتسما (أخلاقهم رفيعة) وطلب مني أن نذهبَ الى مكتبه سويا ففعلت. أجلسني على كرسي وجلس هو أمامي فحدثني عن روعة العلاقة التي تربطني بالجماعة وبالخصوص الأساتذة، لكن هذه العلاقة تعززت بفضل الله وصرتَ يا أخي قاسم أكبر بعيدا عن أية شبهة ونحن نعتز بك. طلبتُ منه أن يدخل في صلب الموضوع.
    إستجاب لطلبي ومدَّ يده لدرج مكتبه ففتحه وأظهر منه ظرفا بداخله ورقة، قال ، تفضل هذه لك فلا يهمك مضمونها فهي وثيقة رفعت عنك الشبهة وأنت بالأساس ليس عليك شبك. تناولتُ الظرف الذي هو على شكل رسالة وصلت بالبريد الى صديقي العزيز الأستاذ جلال الدين قمر(الرسالة مرفقة مع هذه الحلقة)  ووضعتها في جيبي. بعد دقائق غادرتُ مكتبه ولما رجعتُ الى غرفتي أخرجتُ الرسالة من الظرف وقرأتها فهي صادرة من الملحق الثقافي في السفارة العراقية بإسلام آباد يطلب مني فيها بحسب توجيهات مديرية المخابرات العامة العراقيةظ قسم شبه القاره التعمق بالجماعة الأحمية ومعرفة كيفية إختراقها مع تحديد نقاط القوة والضعف فيها. كذلك تطلب مني رئاسة المخابرات توثيق علاقات مع العناصر المؤثرة في الجماعة، واختراق مكاتبهم وزرع عناصر داخل الجماعة. وكانت موقعة بإسم "حسام الراوي". ما تقدم كنت قد ذكرتُ الخطأ الكبير في عمل المخابرات العراقية الذي أصفه هنا بالحماقة بحسب التحليل العلمي لهذه الخطوة السخيفة بسبب أن الأغبياء الذين وضعوا فكرة الرسالة قم نفذوها قد حسبوا للجماعة الأحمدية على ظاهرهم وقد غفلوا تماما أن هؤلاء المتواضعين في حياتهم وسلوكهم تقف ورائهم جهات أخرى لا يفوتها مثل هذه الطرهات إطلاقا. وفي تقديري أن الرسالة حال إستلامها أخذت مجراها الى لندن حيث مقر الخليفة الرابع بغرض الإخبار والتحليل  فجاء الرد أنها (فاشوشي) لا تخرج عن كونها محاولات فاشلة. فرحتُ كثيرا في حينها وكنتُ محظوظا بما حدث إما من ناحية تعزيز الثقة لدى الجماعة، أو من خلالها حددتُ طبيعة تفكير وعمل المخابرات العراقية ضدي حين وصلوا الى هذه المحاولة البائسة اليائسة بمجهود متواضع دافعت به عن نفسي ومعارضتي لنظام لغته هي الشر. الى حلقة  واحد وعشرون أخرى قادمة.    

    قاسم محمد الكفائي 
    Twitter……Qasim.ALkefaee.canada     

     
    [[article_title_text]]
    رسالة مزيفة
    [[article_title_text]]
    مظروف الرسالة المزيفة

     


    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media