دروب الموت (21).. محاولة إختطافي داخل سفارة إيران
    السبت 25 يونيو / حزيران 2022 - 06:47
    قاسم محمد الكفائي
    المقدمة
    بمجرد أن شرعتُ بكتابة هذه الحلقة ( محاولة إختطافي داخل سفارة ايران ) سمعتُ للتو أخبارا تفيد بإبعاد رئيس المخابرات في الحرس الثوري الإيراني الجنرال حسين طائب من منصبه. وقد تزامن هذا الإجراء مع تطورات أخرى خطيرة من تفجيرات واغتيالات في الداخل الإيراني طالت منشآة مهمة وشخصيات علمية وأمنية. في آخر ما كتبته بهذا الشأن هو نصيحتي للإيرانيين الذين لا يسمعون النصيحة (ولا يستحقونها) حين قلت أن أجهزتهم الأمنية تحتاج الى تغييرات وصيانة، كررتُ هذا مرارا وكنتُ عارفا وقاصدا، فكان آخرها ما وردَ في مقالتي بعنوان (إغتيال صياد خدائي)، وإن لم تنته بعد مهمة الصيانة، يمكن للقارىء الكريم المتابعه في أرشيف هذا الموقع الموقر. إنتهت.
    حتى لا أقترب من درجة الأنبياء بهذا الصبر العظيم، الغير مألوف على الإطلاق الذي حملته وتحملته قررتُ بعد مضي أكثر من ثلاثة عقود ونصف من الصمت المطبق تماما أن أبوح ببعض تفاصيل قصة مضت كانت قد جرت علىَّ داخل موقع إيراني. الأشدُّ ألما هو الصبر على حبسها في صدري وذاكرتي، ويشهد الله لا أقصد بهذا الصبر (أنا العراقي، العربي، المسلم) سوى الحرص على سمعة جمهورية الإمام الخميني، والحرص على مستقبل محور المقاومة وفلسطين والتضامن العربي الإسلامي مع علمي بحقيقة المؤسسة الإيرانية أنها تراني (أنا الشيعي العراقي) مجرد كائن لا قيمة له، أو شيعي من الدرجة العاشرة مع أني أحتفظ بتقييمي لمثل هكذا نمط من الناس أنهم لا يساوون عندي ضرطة عنز. هذه النظرة الدونية يتحمل وزرها العراقيون من رموز معارضة نظام صدام حسين الذين أقاموا في طهران وقم المقدسة، والذين انشغلوا لأكثر من عقدين من الزمن بقراءة الفلسفة وتفسير الأحلام والبحث ببطون جائعة عن موائد (القرمة سبزي) وسط أجواء من النزاعات بلا هوادة ما بين أحزابهم وحركاتهم وتجمعاتهم، حتى صاروا في عيون ومواقف الإيرانيين من المنبوذين. بهذا الوضع المزري قررت بعد خروجي من سجن إيفين بطهران مغادرة إيران فورا مهما كلفني الأمر. كانت وجهتي دولة الباكستان (مشيا على الأقدام – بعض التفاصيل وردت في حلقات دروب الموت مازالت في الأرشيف على هذا الموقع المحترم).
    فمن لا يعرف الظروف الإجتماعية والسياسية في الباكستان في زمن تسلط نظام صدام حسين على العراق عليه أن يعرف أنها كانت محطة صراع وتآمر عراقي على الجمهورية الإيرانية والمعارضة العراقية على السواء وأن كفة الميزان هي لصالح بغداد (أحيانا) قبل طهران. أما موقع المملكة السعودية هناك فهو يُغطّي كل المواقع دون منافس وهذا يخضع لعوامل وأسباب كثيرة تجعل من الإنسان الباكستاني والحكومة خاضعين لهيمنة ( فولكلورية ) يتحكم بها الفقر والحاجة. حين دخلتُ الأراضي الباكستانية واجهتُ قصصا تؤدي الى الإختطاف أو الموت أو الترحيل عنوة الى العراق (وردت بعض تفاصيلها في حلقات دروب الموت). كان عليَّ حماية نفسي من تلك المخاطر وقد خرجتُ منها بنجاح ما لفتَ إنتباه مكتب مفوضية الأمم المتحدة ( مخابرات دولية ) حيث وضع شخصيتي في مكان هو قدرها وحسبها كأني مرتبط بإيران وقد أكملتُ فيها جميع التدريبات اللازمة بينما كنتُ أخاف على نفسي من متابعات عناصر السفارة العراقية، وكنتُ أخشى إطلاق الرصاص في يوم ما. هذا الشعور لازمني لستة أعوام تقريبا وسط تلك الشبهات والإهمال المتعمد من قبل مكتب المفوضية للاجئين في إسلام آباد. فكرتُ جيدا وحسبتها أكثر كيف أحمي نفسي من هذه المخاطر والشبهات والإهمام ومتابعات المخابرات العراقية، ثم الظروف المجتمعية والرسمية الباكستانية السيئة. وسط هذه المناخات القاهرة ومن أجل تعميق الشبهة كي لا يحسب (الجميع) أنني معزولا بمفردي بل أستند الى قوة تراقب وضعي وتهتم بي في حالة حدوث أي خطر. بدأتُ العمل بحيلتي في العام 1989 حين ذهبتُ الى السفارة الإيرانية وكان معي ماجد إسماعيل محمد ( أصله كردي من السليمانية وتربى في بغداد، ما بعد 2003 أصبح شيخا وعالما دينيا ونائبا في البرلمان- ماجد الحفيد ). حين قابلنا الرجل الثاني أو الثالث في السفارة يُلقب (مشهدي) عرضنا عليه فكرة مشروع عمل ضد نظام صدام في مدينة كراجي عاصمة إقليم السند - الحديث أطول ورد بعضه في حلقات دروب الموت -. وافقنا مشهدي بحذر شديد. بحساباتي التي لا يعرفها ماجد الحفيد فقد خطوتُ خطوة أولى صحيحة بمجرد دخولي السفارة وخروجي منها (خطوة ناعمة لا تكلفني سوى أن أكون ماهرا وحذرا فوق العادة). هذه الزيارة إنعكست عليَّ بفيض من الخير والسلامة بشكل مباشر حين انعكست على سلوك عمل مخابرات قنصلية صدام في كراجي في التعامل مع قصة إختطافي بحذر شديد يوم 30 نوفمبر 1989 مما سنح لي الفرصة للإفلات منها ( وردت في حلقات دروب الموت)، مازالت في ذاكرتي أدق التفاصيل. كررتُ زيارتي للسفارة الإيرانية في إسلام آباد عاصمة الباكستان ومقابلة (مشهدي) كان آخرها بعد غزو الجيش العراقي للكويت في آب من عام  1990 بأسبوع. يومها كنتُ قد ذهبتُ لبعض السفارات العربية والإسلامية تسليم المنشور المتواضع (مازلتُ أحتفظ بنسخة منه) الذي يتضمن الشجب والإستنكار لعملية الغزو تلك وكنت فيه أنصر الكويت المُحتل. لقول الحق سأفضح سريرتي الآن لأول مرة ... يشهد الله كنتُ فرحا جدا بالذي جرى على الكويت وحكومتها فكان يوم الغزو هو عيدي. هذا الشعور بالشماتة يقابلها نذالة حكومة الكويت في مواقفها من الحرب العراقية الإيرانية، وسلوكها القذر في تسليم المعارضين العراقيين الذين يعيشون على أراضيها الى مخابرات صدام. هذه السريرة حفظتها في صدري بيني وبين الله تعالى ولا يهمني لو آقاي مشهدي وأمثاله عرفوا بها أم لم يعرفوا، آخِرُ همّي. دخلتُ السفارة لأسلم الإستعلامات كغيرهم نسخة من المنشور، حينها طلب مني الموظف التريث فانتظرتُ قليلا حتى خرج عليّ مشهدي وناداني وبيده المنشور. دخلت باتجاه غرفة إستقبال الضيوف فتحدثنا قليلا عن أزمة الغزو ثم خرج لدقائق وفي الأثناء دخل علينا موظف مهم في السفارة أراه دائما في شوارع إسلام آباد يقود سيارته القديمة، الصغيرة الحجم التي لا تتلائم مع حجم جسمه الضخم وكما أتذكر برقم DC/125 29 وهو يحمل (صينية) وفيها (ستكان) شاي. قدّم لي الشاي بصمتٍ غير مألوف ثم خرج. بقيتُ مشغولا بالحديث مع آقاي مشهدي وبقى هو يترقب متى أشرب الشاي، ولما انتهى صبره دعاني لتناوله لكنني بقيتُ أتحسس ودبَّ في نفسي شعور آخر ما جعلني أمتنع تماما عن تناوله. كرَّر طلبه ثم مدَّ يده الى الملعقة الصغيرة التي داخل (الإستكان ) وخاطه فشعرتُ به مرتبكا. نهضتُ بقوة وخطوتُ باتجاه باب الغرفة لأرى رجلين إثنين أعتقد من الجنسية الباكستانية على مقربة منا. مشيت على مهل باتجاه الباب المؤدي الى الإستعلامات بينما مشهدي يتحدث معي ويطلب مني العودة. الى هنا نكتفي بنقل الوقائع سوى تتمة القصة بمراجعتي في اليوم التالي مكتب المفوضية للاجئين وأخبرتهم على ورقة وبخط يدي باستهداف حياتي من قبل السفارة الإيرانية. هنا دخلتُ مرحلة جديدة من المناورات مع مكتب المفوضية وفيها كسبت الوقت الآمن عندما قدمتُ تلك الورقة التي لم يضدقوا مضمونها على الإطلاق بل زادهم يقينا مطلقا أنها مسرحية تمت مع الجهات الإيرانية وقد زادني هذا التفسير قوة أتحصن بها لأن قناعتي بهذا المكتب لا يضمر لي الخير حين يعطي الضوء الأخضر للمخابرات العراقية لسنين عديدة لفعل شيء ما ضدي من خلال تعطيل سفري الى دولة تستقبل اللاجئين وبقائي مرهونا للمخاطر في الباكستان. أما كيف عرفتُ أو تيقنتُ حقيقة محاولة إختطافي من قبل ضابط أمن السفارة فكانت عدت نقاط اجتمعت في المحاولة تدلل على الإثبات بالمطلق وليس النفي ( لا أستطيع ذكرها حتى لا يستفيد منها الخصوم في أي زمان ومكان لكنها حقيقة ثابتة قرأها التاريخ وسجلها على صفحاته) وقد ولدت في ظروف تحيط بشخصيتي المثيرة وبالواقع السياسي العام. واحدٌ من التفاسير التي توصلتُ اليها هي أني من حيث المبدأ مطلوب الى إيران لأن هروبي الأخير منها كان بسبب عزم إطلاعات إيران تسليمي للعراق في أواخر العام 1988، ثم وضعي المشبوه بمراجعتي السفارة دون سبب ملموس لدى الآخرين يلزمني لذلك. 
    أيضا! باحتلال الكويت إيران فرحت وكسبت الجولة الكبرى إما بتأديب حكومة الكويت بعملية الغزو أو بحتمية زوال نظام صدام ( لها الحق والله). فوصلت الحكومة في طهران الى قناعة بأنها قد تمد يدها الخفية الى المؤسسات الأمنية في بغداد وتتبادل معها بالموقوفين والمختطفين لديها مقابل عناصر إيرانية محبوسة في سجون صدام. أنا كنتُ واحدا من ضحايا هذا التفسير. يبقى المهم ثم الأهم أن هذه القصة لا أريدها مادة إعلامية ضد الجمهورية الإيرانية أبدا ولا أريد تداولها بقصد التشهير فقد ذكرتها للتاريخ بعد مضي عشرات السنين من حدوثها ولا أعرف الى اليوم مصير الملعون مشهدي الذي لا أتمنى له الخير. الى حلقة 22 قادمة.

    قاسم محمد الكفائي/ كندا 
    twitter…@QasimM1958    

    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media